أعداء حرية الإعلام وحق الشعب فى معرفة ما يدور فى البرلمان هم الظرفاء الذين قرروا منع بث جلسات البرلمان، وهم ظرفاء لأنهم يخالفون نص المادة 120 من الدستور التى تنص على علانية جلسات البرلمان.
الذين منعوا بث جلسات البرلمان ظرفاء حقا، لكنهم لا يفهمون أن تكنولوجيا الاتصال والهواتف الذكية تتيح لأى نائب أو موظف نقل كل ما يدور فى جلسات البرلمان بشكل مباشر وبدون إذن أو تصريح، وتداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعى.
الذين وافقوا على منع بث جلسات البرلمان ظرفاء جدا، لكنهم يعيشون فى الماضى ويريدون أن يأخذوا الشعب معهم للماضى، وتحديدا لمرحلة ما قبل 25 يناير و30 يونيو، حيث كان الإعلام البيروقراطى التابع للحكومة يصور جلسات البرلمان، ويختار منها ما يريد.. ويعتقد أنه مفيد للحكومة، ثم يقوم ببثه فى تليفزيون الدولة الذى كان منفردا ومهيمنا، ويعيش بدون منافسة، فلا وجود للقنوات الخاصة ولا السوشيال ميديا.
الظرفاء الذين منعوا بث جلسات البرلمان نواب محترمون انتخبهم الشعب، لكن عليهم أن يتذكروا دائما أنهم يمثلون فقط أقل من ثلث الناخبين، وبالتالى عليهم أن يتواضعوا.. وأن يحرصوا على إشراك الشعب عبر حوارات مجتمعية مفتوحة لكى يزيدوا من قاعدة شرعيتهم.. والخطوة الأولى لذلك تبدأ بالإفصاح والشفافية وحق الشعب فى المعرفة والرقابة على أدائهم داخل البرلمان.
الذين منعوا حق بث جلسات البرلمان ظرفاء، ولكن الأكثر ظُرفا منهم وغرابة هم بعض الإعلاميين الذين يؤيدون موقفهم، لأن بث جلسات البرلمان لا يحدث إلا فى عدد محدود من الدول، ولا تأخذ به الدول الديمقراطية، أقول لهؤلاء الظرفاء: الدول الديمقراطية لا تحتاج لذلك، لأنها دول ديمقراطية عريقة، ولا أحد يمنع بث الجلسات إذا رغبت قناة تليفزيونية فى ذلك، لكن بث الجلسات معروف فى بعض الدول حديثة النشأة بالديمقراطية التى ترغب فى تحول ديمقراطى حقيقى، لأنها وجدت فى بث جلسات البرلمان فوائد كثيرة تتعلق بتعلم الديمقراطية وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية، وقيام الشعب بمراقبة النواب مما يساعد على تحسن أدائهم ومراعاة قواعد السلوك الرشيد سياسيا وديمقراطيا، وحتى لغويا!! (وطبعا كلنا شفنا وسمعنا المستوى اللغوى الرفيع والفصاحة المدهشة لرئيس المجلس ووكيليه وبعض النواب).
الظرفاء بتوع المنع حريصون على المال العام جدا خالص، لذلك يقولون إن الشعب ليس لديه وقت لمتابعة الجلسات، ومن غير المفيد اقتصاديا تخصيص قناة لبث نقاشات قد لا يتابعها الناس، بالرغم من أن كثيرا من قنوات ماسبيرو لا يشاهدها أحد، كما أنه من المبكر جدا الحكم على مدى متابعة الناس لجلسات البرلمان، لذلك دعونا نجرب ثم نقيم ونحكم.
ظرفاء ولكن.. يقولون إن بث جلسات البرلمان يجعل النواب حريصين على الشو الإعلامى أكثر من النقاش الجاد والرشيد، وهو قول يجمع بين الطرافة والحماقة، لأن للبرلمان رئيسا وقواعد تنظم الأداء، وتحدد مجالات المناقشة، ثم إذا نجح نائب فى الاستعراض أمام الشاشات فى جلسة أو جلستين فإنه لن ينجح فى باقى الجلسات، والأهم أن الشعب سيكشف بعد عدة جلسات نائب الشو الإعلامى من النائب الجاد، ولاشك أن نائب الشو الإعلامى سيخسر كل شىء.
أيها الظرفاء.. أوضاع كل بلد ومدى انتشار ثقافة الديمقراطية واحترام آلياتها، هى التى تفرض مثلا وجود رقابة قضائية على الانتخابات أو بث جلسات البرلمان، أو وجود توازن بين سلطة الرئيس والبرلمان والحكومة.. القصد أنه لا توجد وصفة جاهزة، لكن بالقطع أوضاعنا فى مصر ونحن فى سنة أولى ديمقراطية تفرض الرقابة القضائية على الانتخابات وبث جلسات البرلمان.
أخيرًا.. أيها الظرفاء لا تغتالوا حقا حصل عليه الشعب، فلدينا قناة الشعب، وهى قناة يملكها الشعب فعلا (اتحاد الإذاعة والتليفزيون) وكانت تذيع جلسات البرلمان فى الزمن الأسود للإخوان، فلا يجوز تجريد الشعب من هذا الحق فى زمن الرئيس عبدالفتاح السيسى، ودعونا نجرب البث المباشر للجلسات بعد أن جربنا وتعبنا من مونتاج الحكومة والرقيب لجلسات البرلمان فى زمن حسنى مبارك.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د.محمود عبد الدائم رضوان
اكثر من رائع
مقال عظيم واكثر من رائع ..بجد عشرة علي عشرة