الأصوات من داخل الجهاز المركزى للمحاسبات ومن خارجه تطالب بتطويره وإعادة تأهيل وزيادة كفاءة العاملين بداخله، تماشيا مع ثورة المحاسبة وآليات الرقابة الحديثة فى العالم. تقرير لجنة تقصى الحقائق ردا على المستشار هشام جنينة كشف أن هناك قصورا شديدا فى أدوات الجهاز، والفترة السابقة بدأ حديث الجمود والتيبس فى جهاز المحاسبات يسرى بين العاملين، وواقعة فساد أحد قيادات الجهاز تمثل عاملا ضاغطا ومهما للبدء فى عملية التحديث والتطوير.
وكما يقول الإمام الشافعى: «إنى رأيت وقوف الماء يفسده، إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب، والشمس لو وقفت فى الفلك دائمة، لملها الناس من عجم ومن عرب». فحديث التطوير للجهاز بعد الأحداث الأخيرة هو ما يشغل عددا كبيرا من الوطنيين الجادين والحريصين على الجهاز وسمعته كواحد من أقدم أجهزة المحاسبات فى الوطن العربى والعالم، وبالأمس تلقيت رسالة مهمة من أحد الأصدقاء وهو قيادة شابة من داخل الجهاز يطرح رؤية مخلصة للنهوض به وتطويره جاء فيها:
«.. عزيزى الأستاذ عادل السنهورى.. تابعت ما تناولتموه بشأن تصريحات المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، وما تلاه من رد لجنة تقصى الحقائق، التى أمر بتكليفها السيد رئيس الجمهورية، وهذه القضية فتحت الباب على مصراعيه لمناقشة قضية مؤجلة منذ سنوات طويلة وهى قضية تتعلق بتطوير وتحديث الجهاز من الداخل وإعادة الاعتبار له بين أقرانه على الأقل فى العالم العربى، ولن أقول فى العالم، لأن ذلك حديث يطول شرحه، إنما ما زال فى المقدور التطور لملاحقة أجهزة ودواوين المحاسبة العربية التى حققت فى طريق التطور الشىء الكثير.
«أقول فى البداية إن فاعلية الأجهزة الرقابية تقاس بمدى قدرتها على الحد من المخالفات وليس بمدى اكتشافها لتلك المخالفات، بمعنى أن وجود مخالفات وما يتبعها من فساد يدل على أن هناك خللا ممنهجا ومقصود وهو ما سيتم توضيحه لاحقا، وقد يتبادر إلى الذهن سؤال مهم، هل كشفت ثورة 25 يناير حجم الفساد الذى كان يغوص فيه النظام السابق وما حجمه وكيفيته وطرقه؟ قد تكون الإجابة منطقية، أن تلك الثورة قامت من أجل القضاء على الفساد، أما عن كيفيته فقد تنوعت سبل كثيرة قادت إليه منها وهن كل الأجهزة الرقابية المتعددة بالدولة، فضلا عن إسناد إدارة تلك الأجهزة لغير المختصين وتزاوج رأس المال بالسلطة ومحاولة إضعاف دور الأجهزة الرقابية. وسط كل ذلك يبزغ سؤال ملح وضرورى وهو: وأين كان الجهاز المركزى للمحاسبات..؟».
«.. قد يكون من المفارقات التاريخية أن نشأة جهاز المحاسبات- أو ديوان المحاسبة قبل ثورة يوليو 52- كان من إنجازات ثورة 19.. فهل تكون ثورة 25 يناير 2011 هى عودة الروح لهذا الجهاز العريق الذى تكالبت عليه بعض قياداته والحكومات المتعاقبة لجعله أشبه بـ«خيال المآتة»؟ فقد أنشا ديوان المحاسبة بموجب القانون الملكى رقم 52 لسنة 1942 ونصت مادته الأولى على أن تنشأ هيئة مستقلة للمراقبة تسمى ديوان المحاسبة، ونصت المادة الثانية على أن يختص هذا الديوان بمراقبة إيرادات الدولة ومصروفاتها دون استثناء وفى أى جهة كانت، وفى عام 64 تغير اسم الديوان إلى الجهاز المركزى للمحاسبات ثم صدر القانون 144 لسنة 1988 لتنظيم عمل الجهاز وتم تعديله بموجب القانون 157 لسنة 1998 وعليه فإن اختصاصات الجهاز بعد كل هذه القوانين هى: الرقابة المالية بشقيها المحاسبى والقانونى.. للرسالة بقية نستكملها غدا.