أقل القليل يمكن أن يكون كثيرًا
هل يمكن الابتعاد قليلا عن الغرق فى تناول نماذج سلبية تزدحم بها حياتنا، ربما يحتاج الإنسان كل فترة لتجديد هواء الغرفة ليتحرك الهواء الراكد قليلا، ويفسح المجال للضوء، بعيدا عن تراكمات الفوضى أو النماذج السلبية، لأن التركيز على السلبيات يبدو أحيانا مُعديا، يراكم الطاقة السلبية. وهو أمر لمحته لدى بعض الأصدقاء والمعارف ممن يغرق أغلبهم فى عنق زجاجة داكن، يحبسهم فى شعور بالقتامة وفقدان الأمل، ويبدو كل منهم كساقية تدير مياه فقدان الأمل إلى قلوبهم، بينما هناك ما يمكن أن يجدد مشاعرهم لمزيد من طاقات النور.
بالأمس تناولت سيرة الراحل المهندس صلاح عطية الذى رحل مؤخرا وكشف محبوه عن أسطورة فى العمل الأهلى الخيرى والتنمية ومساندة الفقراء بالتنمية وليس من باب التفضل. الرجل الذى أنفق أكثر من 50 مليون جنيه لبناء مدارس وكليات ومصانع ومشروعات خيرية وأوقاف للإنفاق على كل هذه الأعمال لضمان استمراريتها. وظل خلال 40 عاما مؤسسة كاملة، بعيدا عن الكاميرات والإعلام فبقيت سيرته تنير لمن حوله الطريق، ومشى فى جنازته مئات الآلاف من أهالى محافظة الدقهلية.
وأنا أتأمل هذه النماذج، قلت إن نموذج المهندس صلاح عطية ليس وحده، وهناك بالتأكيد مثله كثيرون، يختارون العمل الخيرى وما كان يفضل الراحل تسميته «التجارة مع الله»، وبالقطع هناك مثل هذا الرجل عشرات يفعلون الخير من دون إعلان.
وفى تاريخ مصر القريب والأبعد، نماذج لرجال أعمال وأثرياء قدموا ورعوا مشروعات كبرى، ومازال الناس يتذكرونهم بالخيرن، مثل سيد جلال الرجل العصامى الذى وظف أمواله لخدمة الفقراء، وقرر أن يحول انتصاره على الفقر، إلى «نصرة» الفقراء والمحتاجين، وأنشأ المستشفى الشهير باسمه، وحتى فكرة الأوقاف نفسها كانت تتضمن ملايين الأفدنة والمصانع والمشروعات أوقف أصحابها ريعها على الفقراء أو الخدمات الخيرية. ولدينا نماذج جامعة القاهرة، و«المبرات العلاجية» والمستشفيات الخيرية، ومنها مستشفى العجوزة، وكلها مشروعات قامت بجهود أهلية وأوقاف. وهى فكرة تنتشر فى أوروبا ويحتفى العالم بمجهودات أثريائهم مثل بيل جيتس أو غيره فى خدمة مشروعات خيرية وإنسانية. وهناك دول يسهم فيها المال بأكثر من البحث عن الأرباح.
هذه النماذج الفردية، تشير إلى دور الفرد فى النهوض ومساندة مواطنيه دون انتظار لعائد، لأن العائد يتجاوز المعنوى إلى الشعور بالرضا، أو الإيمان بالعدالة عمليا وليس فقط نظريا، فضلا عن كون الراحل صلاح عطية نموذجا للإيمان بالله، والدين المعاملة، وأن هناك إمكانية لتطبيق العدالة وليس فقط الحديث عنها، مثل الإيمان الذى يتجاوز المظاهر إلى الجمع بين المظهر والجوهر. وكما ذكرنا فهؤلاء ليسوا وحدهم ومثل المهندس الراحل صلاح عطية كثيرون، بل وحتى هناك من يقدمون مبادرات للعلاج أو حتى مقاومة القبح، يثبتون أن أقل القليل يمكن أن يكون كثيرا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسر حسان
تصرفات مريبة
عدد الردود 0
بواسطة:
TAREK
غفر الله له واسكنه فسيح جتاته