ماذا ننتظر من زيارة رئيس الصين؟.. غدًا الثلاثاء، يبدأ الرئيس الصينى شى جين بينج زيارته الأولى للمنطقة، وتشمل السعودية ومصر وإيران، هدفها الأساسى توثيق التعاون الثنائى بين بكين والدول الثلاث، فضلاً على مناقشة التطورات التى يشهدها الإقليم، وآخرها التوتر السعودى الإيرانى الذى تحاول الصين أن تلعب فيه دورًا بدعوة الطرفين للتهدئة وضبط النفس، كما أنها على خط الوساطة بين الرياض وطهران حينما أرسلت نائب وزير الخارجية جانج مينج للعاصمتين، حيث التقى مسؤولين كبارًا فى السعودية ثم إيران، داعيًا إلى تسوية الخلافات بالحوار، وبذل جهود مشتركة لدفع الوضع باتجاه الانفراج.
ما يهمنا فى هذه الجولة هى زيارته لمصر، فهى الأولى لرئيس صينى يزور القاهرة منذ 12 عامًا، كما أنها تأتى وسط توافق مصرى صينى حول عدد من الملفات الثنائية، ويكفى الإشارة إلى أن الصين كانت من أوائل الدول الداعمة لمصر بعد ثورة 30 يونيو، ووقفت فى صفها، كما أنها استقبلت الرئيس عبدالفتاح السيسى مرتين بعد انتخابه رئيسًا لمصر، مرة فى زيارة ثنائية، والثانية لمشاركة الصين فى الاحتفال بالذكرى الـ70 لعيد النصر، كما أن التفاهم واضح جدًا بين السيسى وجين بينج، لدرجة أن دبلوماسيين أشاروا لوجود صفات مشتركة بينهما، خاصة فى الشخصية، ورغبتهما فى النهوض باقتصاد البلدين، ومحاربة الفساد، فضلاً على فتح مجالات أوسع أمام السياسة الخارجية لكل من الصين ومصر.
أهمية الزيارة دفعت الحكومة للإعداد لها منذ عدة أسابيع، فرئاسة الوزراء، وبتعليمات صريحة وواضحة من مؤسسة الرئاسة، تتعامل مع الأمر بشكل جدى، وظهر ذلك من إنشائها وحدة الصين التى يترأسها رئيس الوزراء، وتضم وزراء النقل والكهرباء والإسكان والتعاون الدولى والاستثمار، وعقدت هذه الوحدة عدة اجتماعات لتحديد الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الخاصة بمشروعات التعاون المقرر توقيعها بين البلدين فى مجالات النقل والكهرباء والإسكان والزراعة والثقافة، لتعزيز برامج التنمية خلال زيارة الرئيس الصينى للقاهرة.
ويأتى فى مقدمته التعاون بين مصر والصين إنشاء القطار الكهربائى لنقل الركاب بين مدينتى السلام والعاشر، ومشروع قطار آخر لنقل البضائع بين بلبيس والروبيكى، إلى جانب مشروع إنتاج 130 عربة قطارات بتكلفة إجمالية 1.5 مليار دولار، بالإضافة إلى اتفاقيات أخرى سيجرى التوقيع عليها بين البلدين على هامش زيارة الرئيس الصينى.
الصين من جانبها تنظر لمصر على أنها دولة مهمة، ليس فى الإطار الإقليمى فقط، إنما فى قضايا دولية مهمة، مثل التغيرات المناخية، وحظر أسلحة الدمار الشامل، لذلك فإنها أعدت حزمة من الدعم الاقتصادى والاستثمارى لمصر، قدرها مسؤولون مصريون بأنها تصل إلى 30 مليار دولار، حيث ستمول الصين العديد من المشروعات فى قطاعات النقل، والكهرباء، والزراعة، والصرف الصحى، والعاصمة الإدارية الجديدة، والكهرباء، والطاقة، والتصنيع الزراعى والأسمدة، ومشروعات اللوجستيات، كما أن الصين تأمل فى أن يكون لها وجود فى مشروع تنمية محور قناة السويس، لأنها تدرك الأهمية الحقيقية لهذه المنطقة مستقبلاً، لذلك فإنها تهتم بها وترغب فى أن يكون لشركاتها مكان.
البعد السياسى سيكون حاضرًا وبقوة فى زيارة جين بينج، وتحديدًا الملفين السورى والليبى، آخذًا فى الاعتبار التقارب الواضح فى وجهتى نظر مصر والصين حول آليات الخروج من الأزمة السورية تحديدًا، والتى تستحوذ على اهتمام دولى، كما يأتى التشاور المصرى الصينى بعد أيام من تسلم مصر مقعدها غير الدائم فى مجلس الأمن الدولى لعامين، وهو ما تنظر له بكين بعين الاهتمام، لأنها حريصة على أن يكون هناك تشاور دائم وبشكل مباشر مع المسؤولين المصريين لتحديد المخرجات الآمنة لكل الملفات والأزمات المعروضة للنقاش على مجلس الأمن، والأمر لا يمكن تفسيره على أنه رغبة فى تكوين لوبى داخل المجلس، لكن الحديث يدور حول التوافق فى الآراء لإنهاء الملفات والأزمات العالقة بشكل يرضى جميع الأطراف.
بالتأكيد زيارة جين بينج للقاهرة مهمة جدًا فى إطارها السياسى والاقتصادى والدبلوماسى أيضًا، فهى سترسخ لمفهوم جديد من الترابط الفكرى والسياسى بين الصين، بقوتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية، ومصر التى تتميز بموقع جغرافى وإقليمى يمكنها من التأثير على مجريات الأحداث فى الإقليم.