الدولة وضعت نفسها فى امتحان اقتصادى صعب ندعو الله أن تنجح فيه، فهناك إصرار واضح على تنفيذ عدد كبير من المشروعات القومية العملاقة، رغم اعتراض العديد من الاقتصاديين على تنفيذها فى الوضع الراهن، مع قلة الموارد الاقتصادية وضعف الاحتياطى الأجنبى، والقلق من عدم توافر مصادر للطاقة وللمياه، بالإضافة إلى عدم استقرار الأوضاع العالمية.
فالمشروعات التى تتبنى الدولة إقامتها الآن مثل تنمية قناة السويس الجديدة أو إنشاء محور التنمية أو زراعة مليون ونصف فدان أو إقامة العاصمة الإدارية الجديدة أو إنشاء محطة الضبعة النووية أو مجموعة المطارات التى لم نعرفها إلا مؤخرا، كل هذه المشروعات تتسم بأنها باهظة التكاليف وطويلة المدى، سواء فى التنفيذ أو فى حصد الأرباح.
ورغم اقتناعى بخطورة الدخول فى هذه المشروعات القومية الكبرى دفعة واحدة وعدم التفات الدولة للفرص الاستثمارية البديلة الأسرع فى التنفيذ وفى الحصول على الأرباح والوصول إلى نتائج، إلا أن السياسات الاقتصادية مجال واسع للاختلاف، وعلينا احترم حق قيادات الدولة فى اختياراتهم وفى قناعاتهم بأن تحقق تلك المشروعات القومية الطفرة الاقتصادية والاجتماعية المنشودة، فالقرار النهائى لهم سواء اختلفنا أو اتفقنا، وإن كانت النتائج النهائية ستؤثر على الجميع، لذا وجب الانتباه والتنبيه.
وقد زادت التساؤلات فى الأيام الأخيرة عن حجم ومصدر تمويل هذه المشروعات، ولن أعلق على ذلك، خاصة أننى لم أسمع أى رد من جهة اختصاص، ولكن هل مصادر هذا التمويل مستمرة وموثوق فيها حتى انتهاء هذه المشروعات، والبدء فى تشغيلها هذا سؤال يجب أن ننتبه إليه جميعا حتى لا نقف فى منتصف الطريق عاجزين عن التقدم أو التراجع. وبخصوص مصادر الطاقة أو مياه الرى اللازمة لتلك المشروعات هل وضعت الدولة خطط واضحة لتوفيرها أثناء التنفيذ أو بعد التشغيل.
ورغم أننا جميعا فخورون بإنجازات الهيئة الهندسية للقوات المسلحة فى تنفيذ الخطوات الأولى لتلك المشروعات، إلا أننا فى نفس الوقت قلقون من مراحل التنفيذ الأخرى التى سوف تتولاها مؤسسات الدولة المختلفة، خاصة أن هناك اعترافا ضمنيا من الدولة بأن هناك خللا فى تلك المؤسسات منذ قيام ثورة يناير، بينما هناك اقتناع شعبى بأن هذا الخلل متفحل فى سراديب الدولة منذ عشرات السنين. فهل يمكن أن نثق جميعا فى هذا الأداء المضطرب أم على القيادات أن تنتبه إلى أهمية التطهير والتطوير قبل أن يفوت الأوان، وقبل أن تضيع مسؤولية هذه المشروعات بين دهاليز الموظفين ومعها المليارات والسنوات التى لن تعوض أو تعود.
فعلى سبيل المثال لو طبقنا ذلك على مشروع تنمية شرق بورسعيد الذى يشمل ميناء عالميا وعشر مناطق صناعية على مساحة 40 مليون متر ومزارع سمكية على مساحة 80 مليون متر، و4 أنفاق للسيارات والقطارات ومنطقة لوجيستية على مساحة 4 ملايين متر، إذن نجحت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة فى تنفيذ الخطوات المبدئية والهندسية والتخطيطية لهذا المشروع فى عامين، فكم عاما نحتاجه لدخول المرافق أو لوضع إستراتيجيات استثمارية لبيع أراضى المصانع ثم تمليكها للمستثمرين وبنائها وتشغيلها، فيتم تشغيل الميناء والمزارع السمكية، ويبدأ توظيف العمالة، وتدور عجلة الإنتاج وتأتى الأرباح ويشعر الناس بالفرق.
مشكلة المشروعات الكبرى أنها تفشل بسبب التفاصيل الصغيرة، لذلك على الدولة أن تقسم الأدوار بحزم، وأن تتابع الجهات والوزارات المسؤولة حتى لا تنام هذه الجهات خلال العامين المخصصين للتنفيذ، فيستغرق تشغيل المشروع سنوات وعقودا. فيجب أن تبدأ وزارة الكهرباء والبترول فى تدبير وتوفير مصادر الطاقة اللازمة، وعلى وزارة الصناعة أن تبدأ فى الترويج داخليا وخارجيا لبيع المصانع وجذب الاستثمارات الأجنبية وعلى رجال الصناعة المصريين أن يخططوا لإقامة مشروعاتهم فور الانتهاء من تقسيم الأراضى وتجهيز المرافق، إذا لم تعمل الدولة بهذه الروح وبهذه السرعة فسوف تسوء الأحوال الاقتصادية أكثر وأكثر ولن يكون لهذه المشروعات مردود يذكر إلا بعد سنوات طويلة، ونحن للأسف لا نمتلك رفاهية الوقت أو فرصا للفشل.