ليس بالضرورة أن تكون عميلًا لتخدم عدوك، يكفيك أن تكون غبيا، ومشكلة العالم أن الأغبياء والمتشددين واثقون دائماً فى أنفسهم أشد الثقة، عكس الحكماء الذين تملأهم الشكوك.
الحكماء يلجأون إلى العقل والمنطق فى استبيان الحقائق، ولا يرتكنون للمشاعر الشخصية، من حب أو كراهية، ودائما يستفيدون من أخطائهم، ولا يعرفون للعنت والكبر طريقا، عكس الأغبياء الذين تنتفخ أوداجهم، ويصل الكبر والعنت والتمسك بالرأى مهما كان كارثيا، إلى مداه.
واتحاد ملاك ثورة 25 يناير، لم يستفيدوا من أخطائهم الكارثية طوال السنوات الخمس الماضية، وارتكاب كل الموبقات السياسية والأخلاقية من خلال تدشين خطاب منفر متعال، ومحاولة البحث عن الغنائم بشكل سريع فاق سرعة جماعة الإخوان الإرهابية فى خطة أخونة الدولة.
الثائر المقدام دائماً لا يبحث عن مغانم، ولكن يضحى بنفسه من أجل الآخرين، لا أن يظهر على شاشات القنوات الفضائية يتسول المقابل الذى دفعه للخروج فى المظاهرات لإزاحة الأنظمة، وكأن خروجهم هدفه الوحيد فقط الحصول على المقابل وجمع المغانم من مال وسلطة وجاه.
نحانيح ثورة يناير واتحاد ملاكها ودراويشها، أصابهم جنون العظمة، نتيجة الاطراء المبالغ فيه مع بداية الثورة، وقصائد المديح فى معجزاتهم الثورية، ولهث وسائل الإعلام خلفهم، وفتح أبواب قصور السلطة لهم، وفتح خزائن رجال الأعمال ليغرفوا منها ما يشاءون، ودعوات أمريكا وأوروبا وتركيا وقطر للسفر إليها والإقامة فى منتجعاتها.
ثم والأهم قائمة الوعود التى يسيل لها اللعاب، بداية من اختيارهم لحمل الحقائب الوزارية المختلفة، ومرورا بحقائب المحافظين، ومساعدى الوزير، وغيرها من المناصب المهمة.
لذلك لا اندهاش، أو تعجب، أو استغراب، من أن هؤلاء النحانيح، يَرَوْن أن الثورة أعلى مراتب القدسية، والطهارة، وأنهم يعبدونها، ويقيمون الأضرحة والمقامات لها، وخصصوا يوم 25 يناير من كل عام لإقامة «المولد الدموى» لها بميدان التحرير، تمارس فيه كل المحرمات، من قتل وتخريب وتدمير وحرق، وإثارة الفوضى.
هؤلاء النحانيح يَرَوْن فى ميدان التحرير، أطهر بقعة على وجه الأرض، يفوق طهارته وقدسيته مكة المكرمة، أحب البلاد إلى قلب محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويرون فى ثورة 25 يناير، المعجزة الإلهية التى فاقت قدسيتها ما قبلها وما بعدها.
هذه القدسية لثورة بشرية كان لها نتائج كارثية، وعواقب وخيمة، إنما إن دلت على شىء فإنما تدل على أنها تعد بمثابة منجم مصالح تفوق مناجم المعادن النفيسة بكل أنواعها.
فالثورة حققت للنحانيح، ما لم يكونوا يحلمون به من مال وشهرة ومجد وسلطة، وأصبحوا كتابا وصحفيين ومذيعين، وغيرها من المهن التى كانت بعيدة حتى عن خيالهم، لذلك أصيبوا بمرض التثور اللاإرادى المزمن، الذى من أعراضه الفوران الثورى الدائم، ويتثورون على (روحهم).
نعم مرضى الفوران الثورى، يرون فى الثورة المنجم الذى ينهلون منه كل المغانم، ويقتاتون على الفوضى والتخريب والتدمير والقتل وإسالة الدماء فى الشوارع.
دندراوى الهوارى
عبيد الثورة «المقدسة».. وميدان التحرير الأطهر من «مكة»
الثلاثاء، 19 يناير 2016 12:00 م