يا سبحان الله، بلادنا فعلا غريبة، لو حللتها فستجد مزيجا من النجاحات الفردية مع كوكتيل من الاختلافات اليومية، فى مصر كتلة 30 يونيو لا تطيق أن تسمع كتلة رابعة، مع الفارق طبعًا فى العدد ودوافع نظرة مصلحة البلد بين الطرفين، وبامتداد الخط على استقامته كتلة 30 يونيو التى تواجه الإخوان، هى نفسها التى تغرق فى صراعات صغيرة بين أطرافها فتتجدد خناقه كل 48 ساعة مع أهل 25 يناير، حول هل هم ثوار أم لا؟ ويناير كانت مؤامرة أم حراكا حقيقيا؟
لو مددت الخط على استقامته مرة ثانية، فستجد أن حتى إعلام 30 يونيو الذى يساند الدولة المصرية ليس على خط واحد، بينه وبين بعضه اختلافات تصل إلى التجريح الشخصى مثلما حدث مع خالد يوسف.
القارئ العزيز.. حتى برلمان 2016 ملىء بالاختلافات رغم أن كل أعضائه أبناء 30 يونيو، تجد فيه مستقلين و«دعم مصر» وأحزابا وكل منهم ينتظر خطأ للآخر.. «دعم مصر» نفسه يضم اختلافات، وكفى ما جرى بين علاء عبدالمنعم ومصطفى بكرى.
كل ما سبق هو اختلافات محمودة، نتائجه نسبية على البلاد، غير اختلاف واحد هو الأكثر تأثيرا، يتعلق بصلب البلد، هو الاختلاف الفكرى بين عقل الدولة وشباب يناير، وبين عقل الدولة وأبناء الجماعات المتطرفة الموجودين بالسجون وخارجها.
نحن بحاجة إلى مصالحة حقيقية، بحاجة إلى قواعد جديدة للعبة السياسية فى البلد، ضع شروطًا كما تشاء، ولا نفتح باب المصالحة للجميع، ولكن يجب ألا تمر السنوات سريعة وهو مغلق، نحتاج لمن يقود المبادرة، نحتاج للواء أحمد رأفت.
اللواء رأفت أو الحاج مصطفى رفعت كما كان يحب دائما أن يناديه قيادات الجماعة الإسلامية فى السجون، نموذج لرجل أمنى حكيم يدرك تماما قوة القبضة الأمنية وبطشها، ويدرك أيضا دور العقل والحوار فى معادلة مكافحة الإرهاب وأعمال العنف، هو أول من رفع شعار المواجهة الفكرية مع قيادات الجماعة الإسلامية فى التسعينيات، تنقل بين السجون وتقابل مع كل القيادات وعقد بينهم لقاءات مطولة، وقبلها درس علوم الشريعة الإسلامية، لكى يمتلك الحجة فى الرد عليهم إن لزم الأمر، اليوم ونحن نمر بمشاهد تتطابق مع إرهاب التسعينيات، نحتاج إلى خليفة للحاج مصطفى رفعت فى جهاز الأمن الوطنى، نحتاج لتلامذة مصطفى رفعت، نحتاج من جديد للفكر الأمنى المبنى على المواءمة بين بطش الدولة حفاظا على أمنها الداخلى وقدرتها على الحوار فى الوقت ذاته.
مقاطعة.. أعلم أيها القارئ العزيز أنه قد يراودك ملاحظة عن عدم حاجتنا الآن للمعالجة الفكرية، لأننا فى مواجهة قوية مع الإرهاب تحتاج سلاح الأمن فقط، واسمح لى هنا أن أوضح لك أمرا مهما، أتفق تماما مع رأيك أن الإرهاب فى سيناء والمحافظات يحتاج للردع، ولكن عليك أن تعلم أن آلافا داخل السجون بينهم من يحاكم وبينهم من هو محبوس على قيد التحقيقات، وآجلا أو عاجلا سيخرجون بعد، عام أو 2 أو 10، ولكن عقليتهم الفكرية وقت الدخول تختلف تماما عن وقت الخروج، ما يقضونه من وقت بالسجون حتما سيغير فكرهم ويزيدهم ميلا إلى أفكار متطرفة، إلى استحلال دماء غير المسلمين، إلى تكفير الحاكم، إلى مشروعية ارتكاب أعمال عدائية ضد الجيش والشرطة، إلى دائرة لا تنتهى من أعمال الإرهاب.
من أجل هذا نحتاج إلى خليفة للحاج مصطفى رفعت، نحتاج من يتنقل بين السجون، من يحاور الآلاف من المقبوض عليهم، نحتاج من يدق جرس الخطر لضباط الأمن الوطنى أن دورهم الحقيقى ليس فقط القبض وتحرير محضر تحريات، ولكن أيضا السعى نحو المزج بين الأمن والفكر ليكونوا حقا تلامذة الحاج مصطفى رفعت.
عزيزى القارئ.. كتبت نفس فكرة المقال قبل عام، وطرحت نفس السؤال عن تلامذة الحاج مصطفى رفعت، فلم أتلق إجابه ومازلت أنتظر.
محمود سعد الدين
مدرسة اللواء أحمد رأفت.. كيف ندير الملف الأمنى بمفهوم فكرى؟
الثلاثاء، 19 يناير 2016 05:24 م