رحيل أبو القمح المصرى الذى يعرفه العالم
«إلى متى سيموت علماؤنا كمدا ونكدا؟»، كان هذا السؤال الغاضب الحزين مفتتحا لاتصال هاتفى من الصديق الدكتور إمام الجمسى، أستاذ الاقتصاد الزراعى بمركز البحوث الزراعية، لم يستطع الدكتور إمام أن يحبس دموعه الصادقة، وهو يتحدث عن إهمال وسائل الإعلام خبر وفاة الدكتور عبدالسلام جمعة «أبوالقمح المصرى»، الذى فاضت روحه أمس الأول بعد سنوات من العطاء العلمى الذى وضعه فى مصاف علماء العالم المعدودين فيما يتعلق بالقمح وزيادة إنتاجه.
لم يكن الدكتور عبدالسلام جمعة صاخبا فى حياته، كان ممن يعملون فى صمت، وثمار فعله وعلمه على أرض الواقع وثوابه عند الله، كان كما يقول الدكتور إمام الجمسى: «قمة التواضع فى كل شىء، تشعر أنك أمام طفل صغير فى براءة مشاعره ونقاء إنسانيته، هو من أفضل 5 مربين للقمح فى العالم، ومع ذلك لو قلت هذه الحقيقة أمامه يكون فى قمة الخجل ويعلق: ربنا بيبارك».
يروى «الجمسى» ملامح من سيرة أستاذه التى تستحق مجلدات، يقول: «هو سر الطفرة فى إنتاج القمح، رفعه من 8 أرادب للفدان إلى 18 إردبا، كما أنه أبو الأصناف الحديثة للقمح التى يناسب زرعها فى مناطق الدلتا، هو الذى تصدى لتجارب قمح «الشبح» الذى يرفع حجم السنبلة وعدد الحبات فيها إلى أربعة أضعاف السنبلة العادية، وكانت تجربته حول ذلك فى مراحلها الأولى وقت تولى الدكتور يوسف والى وزارة الزراعة، وبكل أسف أخذت دول أخرى هذه التجربة ولم تستفد بها مصر» ويؤكد «الجمسى» على أن الحصيلة العملية لـ«جمعة» فى مجاله أفضل من العالم الهندى الذى عمل الأصناف المكسيكية للقمح والذى نال بسببها جائزة نوبل، ويجدد «الجمسى» تأكيده على أن كل المربين للقمح فى العالم يعرفونه ويعتبرونه من رواده، وكان بوسعه أن يلبى العروض التى تلقاها من مراكز بحثية عالمية ودول متقدمة تقدر العلم والعلماء للعمل فيها، لكنه لم يفعل، اختار البقاء فى مصر بكل ما يعنى ذلك من معاناة معروفة يضعها الصغار والفاسدون أمام البحث العلمى ورجاله.
يواصل «الجمسى»: «عبدالسلام جمعة هو الذى أحدث طفرة هائلة فى إدارة التقاوى بمركز البحوث الزراعية، وأفضل من عمل برامج تدريب فى الداخل والخارج للباحثين لرفع كفاءتهم العملية، وكان هو يضرب نموذجا بنفسه أمام هؤلاء الباحثين، بإشرافه بنفسه على كل شىء فى التجارب العلمية، بدءا من اختيار الحقول التى يتم فيها التجارب مرورا بالتفاصيل الأخرى فيما يتعلق بمراحل كل تجربة».
حصل الدكتور عبدالسلام جمعة على جائزة الدولة التقديرية، وجائزة النيل، ومنحته المنظمة العربية للتنمية الزراعية جائزة «أفضل مربى ومنتج قمح فى العالم العربى»، وقد يكون هذا أفضل أنواع التقدير للعلماء، لكن الدكتور إمام الجمسى أشار إلى بعد أعمق وهو وضع العراقيل أمام مجاله الأصلى فى العلم، وهو «مربى القمح» بوضع عراقيل بيروقراطية، ودفع بعض تلاميذه إلى الجرأة عليه، ولأنه بطبعه لم يكن مقاتلا ترك كل شىء.
يذكر «الجمسى» بألم: «حدثته قبل أيام عن دوره كعالم، فرد بألم: (هو أنا بقيت عالم)، كان تعليقه مؤلما، فمن سنوات وهو ممنوع من شغله كمربى قمح، والمسؤول عن هذا المنع هو الدكتور يوسف والى وقت أن كان وزيرا للزراعة».
يختتم الدكتور «الجمسى»: «أرى أن شغله بالمناصب الإدارية كان يبدو مخططا لصرفه عن مجاله العلمى الأصلى كعالم، ومات وهو نقيب للزراعيين وكان مشغولا بتعديل قانون النقابة، وكان عنده أمل فى رفع معاش الزراعيين من مائة إلى ثلاثمائة جنيه». رحم الله الدكتور عبدالسلام جمعة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
م حسين عمر
رجم الله العالم الجليل الدكتور عبدالسلام جمعه وافاد مصر بعلمه واسكنه فسيح جناته
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد الهلاوى
رحيل أبو القمح