فى سنة 1973، بينما أنظار الجميع مصوبة ناحية المسرح، فى الحفل الفنى الأكثر شهرة فى العالم، المتعلق بتوزيع جوائز «الأوسكار»، فى انتظار سعيد الحظ النجم الذى سيصعد ليحصل على الجائزة الأهم فى حياته، حدثت مفاجأة، فعندما أعلن المذيع اسم النجم الكبير «مارلون براندو» بفوزه بجائزة أفضل ممثل عن دوره الأشهر «فيتو كورليونى» فى فيلم «الأب الروحى» الجزء الأول، وبينما الأيدى مشتعلة بالتصفيق صعدت إلى خشبة المسرح الممثلة ساشين ليتل فيذر، وهى من الهنود الحمر، وبكل طقوسها الهندية حضرت فى قلب الاحتفال، ونيابة عن الأسطورة مارلون براندو قالت: «إن براندو ممتن جدًا لهذه الجائزة السخية، لكنّه لن يستطيع قبولها بسبب المعاملة السيئة للهنود الحمر فى مجال صناعة الأفلام»، وهكذا سجل التاريخ عظمة الممثل وعنصرية أمريكا .
لم يكن مارلون براندو يبحث عن شهرة من وراء هذا الموقف الذى فعله، ورفضه جائزة الأوسكار التى يتمناها كل نجوم العالم وفنانيه، لكنه أراد أن يسجل موقفًا يظهر دعمه لحركة الهنود الحمر، وذلك تزامنًا مع حصار الناشطين الهنود فى بلدة صغيرة جنوب داكوتا من قبل القوات الأمريكية، حيث ذهب النجم العالمى للوقوف بجانبهم فى ظل الظروف السيئة التى يواجهونها، وترك حفل الأوسكار، فى رسالة واضحة للعالم، والآن بعد سنوات من هذا الموقف الإنسانى العظيم، هل نتوقع أن يخرج علينا الحاصل على جائزة «الأوسكار» 2016 ليعلن للجميع أن أمريكا بيضاء عنصرية، وأنها تقصد ألا ترشح السود للجوائز الفنية، وأنه يرفض الجائزة لهذا السبب؟
الموضوع أكبر من كونه جائزة سينمائية مهمة فى حفل عالمى ينتظره الجميع، إنه يعكس طريقة تفكير معينة موجودة فى أمريكا، تكررت بشكل ملحوظ، وتحتاج وقفة حقيقية، خاصة أن عددًا من النجوم أبدوا استغرابهم من هذه العنصرية الواضحة، ومنهم النجم جورج كلونى، عضو الأكاديمية، الذى أكد أن هذه الاختيارات «لا تمثلنى».
والعنصرية هذه المرة لا تحتاج دليلًا، وربما المتابع للسينما الأمريكية يعرف أن أصحاب البشرة السوداء مثلوا جزءًا أساسيًا من صناعة السينما، وأنهم قدموا أدوارًا مميزة جدًا هذا العام، ويكفى ما فعله الممثل الكبير صامويل جاكسون فى الفيلم الأخير للمخرج العالمى تارانتينو «الثمانية البغضاء»، فى دور «ماركيز وارن»، صائد الجوائز الأسود فى متاهات الثلوج البيضاء، لقد كان أداء مميزًا بحق منذ المشهد الأول، وفى طريقة ظهوره فى وجه الكاميرا، مرورًا بصوته المميز الذى يشبه موسيقى أفريقية، وأدائه الصامت، واستخدامه نظرات عينيه وحركته فى إطار الكاميرا، وانتهاء بكاريزما الشخصية.. كانت شخصية صامويل جاكسون تدور حول رجل أسود يحمل فى جيبه خطابًا وهميًا من الرئيس الأمريكى إبراهام لينكلون، يحتفظ به فى كل مكان يذهب إليه، مكتوبًا فى جملته الأولى «عزيزى الرائد ماركيز»، وذلك حتى يحترمه البيض العنصريون، ومن الواضح أن السود ما زالوا حتى الآن فى حاجة لخطابات تحميهم من بطش العنصرية.
أحمد إبراهيم الشريف
أمريكا بيضاء عنصرية.. هل يقولها الحاصل على الأوسكار؟
الجمعة، 22 يناير 2016 12:01 م