عندما كتب ابن خلدون جملته الشهيرة فى تفسير المجتمعات «المغلوب مولع بتقليد الغالب» كان يقصد من ورائها التفسير الذى يحتوى فى داخله نوعا من التحذير، لكن عقولنا العربية فهمتها بمعنى التبرير لكثير من الأخطاء التى ارتكبناها بأيدينا، والتى نفسر من خلالها التخاذل الذى يصيبنا فى أدائنا الحياتى وندعى بأنه مفروض علينا، فنجعل من الاستعمار الطويل الذى سيطر على معظم تاريخنا هو المسؤول الوحيد عن واقعنا المعاصر، وننسى أننا نحن أيضا مسؤولون عما فيه وبالدرجة نفسها، والملاحظ أيضا أن اللغة العربية هى الضحية الأبرز لهذا التبرير، ففى السنوات الأخيرة أصبح الصراع داخل العالم العربى خاصة فى شمال أفريقيا يكاد يكون بشكل يومى حول اللغة العربية التى تضيق عليها الدائرة بشكل كبير فى مقابل المساحة المتزايدة للوجود الفرنسى اللغوى، كما أن الأمازيغية هى الأخرى تسعى أيضا من قبائلها الجبلية لتسيطر على القلب.
الغريب أن الحكومات العربية تسمح بذلك على الرغم من كون اللغة العربية لاتزال تحتفظ برمزية دينية لأكثر من مليار مسلم، وهناك أكثر من ثلاثمائة مليون ناطق بها، كما أنها تُعد اللغة الرسمية لـ22 دولة عربية، وتدخل ضمن اللغات الست المستعملة رسميا فى المنظمات الدولية والإقليمية.
وقبل إدانة أحد لا يمكن إنكار ما لحق بدول المغرب العربى من ويلات الاستعمار، لكن السياسات هناك ترتكب أخطاء كبيرة فى حق اللغة العربية، فالمغرب انتصرت لصالح اللغة الفرنسية فى التعليم، وجعلت استخدامها فى الشُعب العلمية بمجرد وصول الطالب للثانوية، بما يعد خطرا كبيرا، لكون المواد العلمية هى سبيل التطور فى العالم، وعلى هذا الشكل سوف تنكمش العربية حول نفسها، ولن يصيبها أى تطور أبدًا، وبالتالى سوف تتراجع بشكل ملحوظ، كما أن لا أحد سيقبل على تعلمها، لأنه بغياب المواد العلمية أصبحت لا تملك مستقبلا جيدا لمتعلميها، وستتحول بعد فترة طالت أو قصرت إلى لغة أرشيفية ذات طابع دينى تعبدى، وذات يوم سنجد شعبا يحيط به الخطر بسبب غياب هويته اللغوية.
وفى الجزائر يحدث ما يؤدى للنتيجة نفسها، لكن بشكل مغاير فقد أقرت الحكومة هناك تعليم الأمازيغية فى 21 ولاية خلال الدخول المدرسى الجديد، حيث كان تدريسها السنة الماضية مقتصرا على 11 ولاية فقط، من أصل 48 ولاية جزائرية، وبالتالى سوف يحدث هذا الانقسام الكبير المتوقع بين أبناء الشعب الواحد، خاصة أن تعليم الأمازيغية يبدأ من الصغر.
لذا فاللغة العربية فى خطر فى غرب العالم العربى وشرقه، وليس معنى قبول الآخر أو استخدام لغات أخرى يعنى طمس الأصل والتطاول عليه وإعلاء قيمة الخارج، ومن الممكن أن تستمر بنا الحياة دون أن نكون مولعين بتقليد الغالب.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة