انتهت زيارة الرئيس الصينى شى جين بينج للقاهرة التى استمرت ثلاثة أيام، لكن تداعياتها ستظل محل دراسة وتقييم ومتابعة، ليس من الجانبين المصرى والصينى فقط، ولكن فى الإطار الدولى، والأمر هنا ليس فيه تضخيم للزيارة ولا لدور مصر وإعطائها دورا لا تستحقه كما يدعى البعض، لكن الأهمية تكمن فى الأجواء الإقليمية والدولية التى تهدف فى أجزاء منها إلى محاولة عزل الدولتين فى إطارهما الداخلى أولا، ثم الإقليمى بعد ذلك، حتى لا يكون لهما دور فى القضايا الدولية.
ومن ينظر للبرنامج التنفيذى بشأن تعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والصين خلال السنوات الخمس المقبلة الذى صدر الخميس الماضى، سيكتشف لماذا كانت العيون على القاهرة حينما كان يزورها جين بينج، لأن البرنامج احتوى بالتأكيد على تفاصيل ربما تكون مزعجة لبعض الأطراف الإقليمية والدولية، والأمر لا يقتصر على إعلان الرئيسين عبدالفتاح السيسى وشى جين بينج تدشين 2016 «عام الثقافة الصينية» فى مصر و«عام الثقافة المصرية» فى الصين، لأن هناك أكثر أهمية من ذلك، واسترعى انتباه الآخرين خارج حدود الدولتين، منها على سبيل المثال تأكيد الجانب المصرى على مواصلة الالتزام الثابت بمبدأ الصين الواحدة، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، ودعم موقف الجانب الصينى من القضايا التى تتعلق بسيادة الصين ووحدة أراضيها، ودعم تحقيق إعادة توحيد الصين، ورفض التدخل الخارجى فى الشؤون الصينية الداخلية، وتأكيد الجانب الصينى على دعم حق الشعب المصرى فى اختيار النظام السياسى والطريق التنموى الخاص به بحرية واستقلالية، ورفض التدخل الخارجى فى الشؤون المصرية تحت أى مسمى، ودعم جهود الحكومة المصرية فى مكافحة الإرهاب، والحفاظ على الأمن والاستقرار فى مصر وفى محيطها الإقليمى. أمر آخر مهم فى هذا البرنامج، فالشراكة بين البلدين لم تقف عند الدعوة التى وجهتها الصين بصفتها رئيس مجموعة العشرين خلال عام 2016، للرئيس عبدالفتاح السيسى للمشاركة كضيف خلال اجتماعات المجموعة سبتمبر المقبل، وإنما كان هناك تفاهم صينى على أهمية التواجد المصرى فى التجمعات الإقليمية والدولية المهمة، لأن بكين تدرك جيدًا أهمية التواجد المصرى، لذلك لم يكن غريبًا أن يتضمن البرنامج التنفيذى إعراب الجانب الصينى عن «تقديره العالى لرغبة الجانب المصرى فى الانضمام إلى منظمة شانجهاى للتعاون، مستعدا لإبلاغ الدول الأعضاء الأخرى بذلك»، وهذه بالتأكيد خطوة مهمة ربما يتبعها خطوات أخرى مثل انضمام مصر لتجمع «بريكس»، الذى يضم حتى الآن خمس دول وهى: الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، ومن المتوقع أن يكون هناك تحرك صينى روسى داعم للرغبة المصرية خلال الفترة المقبلة.
البرنامج التنفيذى بشأن تعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والصين خلال السنوات الخمس المقبلة يحوى الكثير من التفاصيل التى من المهم أن نقرأها بتمعن، لأنها بالتأكيد حظيت على متابعة قوية من الخارج، ومنها اتفاق القاهرة وبكين على تكثيف التعاون فى إطار المبادرة التى طرحها الجانب الصينى بشأن بناء «الحزام الاقتصادى لطريق الحرير»، و«طريق الحرير البحرى فى القرن الـ21»، خاصة فى إطار دعم الجانب الصينى خطط الحكومة المصرية لإنعاش الاقتصاد المصرى بكل مشتملاته.
ولا يجب إغفال النقطة الخاصة بـ«تفهم الجانب الصينى بشواغل مصر فيما يتعلق بأمنها المائى، ويدعم جهود الجانب المصرى لمعالجة هذه الشواغل، والحفاظ على أمنها المائى، فى إطار قواعد القانون الدولى المتعارف عليها». فهذه القضية تشغل الرأى العام المصرى كثيرًا، وحينما يصدر تأكيد صينى على دعم مصر فى هذا الأمر فإننا أمام موقف سيسهل كثيرًا فى حل الخلافات بين دول حوض النيل، لما تملكه بكين من تواجد قوى فى هذه الدول وتحديدًا إثيوبيا يمكنها من الحديث معها بوضوح عن تلبية المطالب المصرية. انتهت زيارة شى جين بينج، وبدأت القراءات الدولية تتوالى عنها، لكن من جانبنا ينبغى أن نعيد قراءة الزيارة من جانب آخر، وهو كيف نستفيد مما تحقق ومما تم الاتفاق عليه؟ وقبل ذلك أن نؤمن بأنه إذا امتلكت مصر الإرادة ولم تشغل نفسها بما يقال عنها فى الداخل والخارج ستحقق ما تريده، كما فعلت الصين.