لا يمكن تجاهل قيمة ودور العالم الأمريكى نعوم تشومسكى فى مجالات اللسانيات والعلوم اللغوية، فهو رائد كبير فى هذا المجال منذ مؤلفه الأول عن «النحو التوليدى»، إلا أن مواقفه السياسية غالبا ما تثير الجدل لغرابتها وتطرفها. الآن نعوم تشومسكى فى السابعة والثمانين من عمره، لكنه لا يزال يصف نفسه بالناشط السياسى، ويدلى بآرائه فيما يدور بمناطق العالم لوسائل الإعلام، مرة باعتبارها الكلمة الفصل فيما يجرى من أحداث، ومرة أخرى باعتبارها تنبوءات قادمة استنادا لما يحدث فى الواقع.
وقد راجت لتشومسكى عدة تسجيلات مع قناة الجزيرة القطرية، على مواقع التواصل الاجتماعى، يعلن فى أحدها أنه لا أمل فى قيام الدولة الفلسطينية نهائيا، وفى الثانى أن مصر ستنتظر انفجارا ثوريا جديدا، وفى تسجيل سابق احتفى به الإخوان تنبأ بأن المعزول محمد مرسى عائد إلى الحكم فى مصر خلال عام 2015.
بالطبع يحاول الإخوان تناسى الفيديو الأول لتشومسكى الذى يتنبأ فيه بعودة مرسى بقوة الجماهير الثورية، مثلما يتناساه هو الآن، بينما يحرص على تكرار نفس العبارات السابقة عن موجة، وانفجار، وثورة جديدة فى مصر، من دون الإشارة للمعزول. لكن مهاويس الجماعة يتشبثون حاليا بفيديو الجزيرة ويعتبرونه وثيقة على نجاحهم، واقتراب اعتلائهم الحكم من جديد.
والحق أننا عندما نتعامل مع تشومسكى، يجب أن نفرق بين تشومسكى عالم اللسانيات وبين تشومسكى الناشط السياسى والأناركى التوجه المؤيد لأى نزعة فوضوية، والمبرر لها، والمدافع عنها.تشومسكى الأول تتم مناقشته فى مدرجات الجامعات وفى حلقات الدرس المتخصصة وفى المراجع المعنية بالتطور اللغوى، أما تشومسكى السياسى فيتم التعامل معه باعتباره مهووسا بالثورة والفوضوية، متطرفا فى كراهيته للسلطة أى سلطة، ومنطلقا فى أحكامه من التمنيات والأحلام، وبالتالى يمكن باختصار شد السيفون على مجمل الآراء السياسية لتشومسكى وعدم الالتفات إليها مطلقا.
الخلط يأتى عندما يحاول تشومسكى نفسه إضفاء أهميته كعالم على آرائه فى السياسة والصراعات الدولية، ويتكرر الخلط عندما يتم تقديم هذه الآراء المتطرفة وغير المدروسة باعتبارها صادرة عن عالم ضليع ومتفرد فى مجاله، بينما مجاله بعيد كل البعد عما يفتى ويزيد فيه. وهذا ما تفعله الجزيرة بتصريحاته السياسية بشأن القضية الفلسطينية، أو ما يسمى بالربيع العربى والثورات المجهضة، لتفتح للرجل العجوز ذى الهوس الأناركى بتحطيم السلطات الباب واسعا للكلام المرتب الواثق فى عودة الثورة وانتصارها.
طبعا عدم اطلاع تشومسكى على تفاصيل الثورة المصرية واكتفاؤه بما ذاع عن مقدماتها وتفاصيلها فى الريبورتاجات الإعلامية، يدفعه إلى بناء تصور مضحك وساذج عمن قاموا بالثورة، وعن أحلام المصريين، ومن الأكثر والأقل شعبية وعن الاختيارات الأساسية للمواطنين، وهى بالطبع اختيارات متغيرة، بحسب المراحل المكثفة التى مررنا بها، والخبرات التى اكتسبناها فى سنوات قليلة، بما فى ذلك مفهوم الثورة نفسه الذى تم الترويج له قبل الإطاحة بمبارك على أنه إزاحة النظام الغاشم فقط، بينما غاب عن الأذهان كليا ما بعد إحداث الفراغ، أو كيف يمكن أن تتحول الثورة إلى برنامج عمل تنموى بدلا من اختزالها فى المسيرات التى يتم تنظيمها بالريموت ثم تنتهى بنا إلى اليأس.
تشومسكى لا يعترف بالخطأ فى آرائه السياسية المتطرفة، وإذا سألته اليوم عن عودة مرسى فى 2015، ربما يقدم لنا تأويلا جديدا بأن عام 2015 لم ينته بعد، وأنه ممتد لعامين مقبلين، وأن المعزول راجع راجع، وليس غريبا أيضا أن يتلقف مهاويس الإخوان مثل هذا الرأى ليضعوه على الشارات الصفراء الوثنية التى يرفعونها وهم يناضلون على مواقع التواصل، أو من فنادقهم المدفوعة فى لندن وباريس وأنقرة والدوحة.. حقا المجانين فى نعيم!!
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
صفوت الكاشف
/// الأهم من نعوم تشومسيكى هو أن نعلن داعش إرهابية ///