فى 25 يناير 1952 ، عندما حاصر الإنجليز مبنى محافظة الإسماعيلية، وقف قائد قوات الإنجليز «إكسهام» وقال للبوليس المصرى: لابد أن تتركوا المكان فورًا وترحلوا منه قبل أن أبدأ بالضرب.. فرد عليه الملازم أول مصطفى رفعت: إذا لم تأخذ قواتك من حول المبنى سأبدأ أنا الضرب، لأن تلك أرضى وأنت الذى يجب أن ترحل منها ليس أنا.
لقد اتخذ هذا البطل وزملاؤه القرار بأنهم لن يتركوا المبنى حتى لو كلفهم الأمر حياتهم جميعا، حيث كان القرار هو الدفاع عن المبنى والمواجهة مع قوات الاحتلال الإنجليزى، رغم علمهم بعدم التكافؤ بينهم وبين تلك القوات التى تحاصر المبنى بالدبابات وهم لا يملكون سوى بنادق قديمة.
وعندما تساقط رجال الشرطة ببسالة وهم يدافعون عن مبنى المحافظة..أمر الجنرال «إكسهام» رجاله بإعطاء التحية العسكرية لرجال الشرطة أثناء خروجهم من المبنى اعترافًا بشجاعتهم فى الدفاع عن الأوطان.
الجنرال إكسهام قبل 64 عاما من الآن نظر بعين التقدير لرجال الشرطة، هؤلاء الأشخاص الذين تجدهم يقفون فى الشوارع لا يبالون بقسوة برد الليل فى الشتاء، ولا تزعجهم حرارة الشمس فى نهار الصيف، يداعب النُعاس جفون أعينهم لكنهم خاصموا النوم واختاروا أن يكونوا العيون الساهرة التى تحرس فى سبيل الله، عيونا لا تمسها النار.
وللأسف أصبح رجال الشرطة الآن إما فى مرمى نيران الإرهاب الغاشم، أو مرمى الاتهامات بالبلطجة والهجوم غير المبرر تشرف عليه منظمات وأجهزة دول هدفها إسقاط الدولة المصرية بضرب مؤسساتها الأمنية، وفى سبيل ذلك أطلقت الشائعات وروجت لها، وصفت الضباط بالبلطجية تارة واتهمتهم بتعذيب المواطنين داخل أقسام الشرطة تارة أخرى، وحاولت خلق فجوة بين الشعب والشرطة تضمن لهم عدم استقرار الأوضاع فى مصر.
نعم.. «هناك من يُعذب داخل أقسام الشرطة.. هناك من يُهدر كرامة المواطنين.. هناك من يتعامل بعنترية»، لكنهم قليلون يخضعون للمحاسبة، لا يفلتون من العقاب، قدمتهم وزارة الداخلية لجهات التحقيق، وستقدم كل متجاوز.
هؤلاء الشاردون عن القاعدة لا يمثلون رقمًا صحيحًا يختفى مقارنة بأرقام كبيرة فى مسلسل إنجازات رجال الشرطة، بينهم شهداء زفتهم الملائكة للجنان قبل عُرسهم بأيام، وآخرون تركوا سيدات يتشحن بالملابس السوداء وعيون لا تعرف سوى الدموع، وقلوب أصابها الوجع على فراق الأحبة.
من منا يتحمل القلق والخوف كل لحظة على ابن أو زوج أو أخ يعمل فى مواقع شرطية، أو تحت رصاص الإرهاب على أرض الفيروز، من منا يودع ابنه كل صباح ولا يدرى سيراه مرة أخرى أم ينتظره فى جنازة عسكرية بمسجد الشرطة، من منا يستطيع أن ينام أو يأكل أو يشرب أو يمارس حياته بشكل طبيعى وابنه يداهم وكرًا إجراميًا، أو يقف فى كمين تحاصره نيران الإرهاب، من منا يتحمل القلق المميت كل لحظة ويُخطف قلبه من صوت الهاتف ربما كان يحمل خبرًا سيئا عن الابن الغائب.
إذا كنا- أنا وأنت- لا نتحمل ذلك فلنعط التحية العسكرية لرجال الشرطة كما فعلها «إكسهام» من 64 عاما.
محمود عبدالراضى
عندما أدى الجنرال «إكسهام» التحية العسكرية لرجال الشرطة المصرية
الإثنين، 25 يناير 2016 05:27 م