راجعو تاريخ الثورات حتى تفهموا خصوم يناير
لا توجد ثورة واحدة فى التاريخ بلا خصوم، الرسالات السماوية نفسها كانت لها خصومها، ثورات مصر فى عصرها الحديث كونت وقت حدوثها مؤيدين وخصوما، وحين توقف الفعل الثورى لها انصرف الجدل حول ما إذا كانت الثورة التى حدثت كان من الواجب حدوثها أم لا، حدث ذلك فى ثورة عرابى 1881، وحدث ذلك فى ثورة 1919، وحدث ذلك فى ثورة 23 يوليو 1952، ويحدث الآن مع ثورة 25 يناير.
فى كل هذه المحطات يبدو الجدل عقيما مع كل الذين يغفلون حقيقة تاريخية وهى، أن أى فعل جماهيرى حاسم يأتى استجابة لتحديات موجودة فى الواقع، وأن حركة الجماهير، مهما كانت قوتها، لن تؤتى ثمارها إلا بوجود تنظيم يقودها، والتلاحم بين الجماهير والتنظيم هو الذى يحول هذه الحركة إلى ثورة حقيقية.
من يقرأ الوقائع السابقة للثورة العرابية والبيئة المحلية والدولية المحيطة، سيعرف أنه لو لم يكن هناك أحمد عرابى ورفاقه لاخترعناهم، نعم انتهت الثورة بالاحتلال الإنجليزى لمصر، وأصبح الهجوم على عرابى سيد الموقف إلى درجة أن مصطفى كامل شارك فيه، ولكن هل معنى ذلك أن الثورة لم تترك أثرها الإيجابى العميق على الحركة الوطنية فيما بعد؟
فى ثورة 1919 خرج الشعب المصرى يطلب حريته واستقلاله، كان رمزها سعد باشا زغلول، امتدت الثورة من قرية إلى أخرى، ومن مدينة إلى أخرى، وقدمت الشهداء، ومع ذلك لم يخرج الاستعمار الإنجليزى من مصر، وبعد خفوت الفعل الثورى والدخول فى مفاوضات من أجل الاستقلال، اشتد الجدل بين مؤيدين للثورة ومعارضين، وفى هذا الجدل تولدت تصنيفات حول من باع الثورة ومن أخلص لها، من انتقل من صفوفها لصالح القصر الملكى والاحتلال، ومن بقى مخلصا لدماء الشهداء الذين سقطوا طلبا للحرية والاستقلال، وبالرغم من كل ذلك، فإن لا أحد أمكنه إزالة آثار الثورة، ولا خصومها جعلوا مصر كما كانت قبل الثورة.
فى ثورة 23 يوليو 1952 اشتد الجدل حول ما كانت ثورة أم انقلاب، وتوحد خصومها المحليين والخارجيين فى حياة قائدها جمال عبد الناصر من أجل وقف مسيرتها، وبعد رحيله استخدم هؤلاء الخصوم كل ما يمكن وصفه فى التشويه والأكاذيب وقلب الحقائق، ورغم كل ذلك، فإن الأثر الذى تركته بقى ساطعا.
لن تكون ثورة 25 يناير استثناء من هذا النهج، ومنذ لحظتها الأولى كان لها خصومها، وهذا شىء طبيعى ومن سنن حركة التاريخ، فلا يمكن أن تجعل من الذين قامت الثورة ضدهم أنصارا لها، ولا يمكن أن يتحول الذين أنفقوا عمرهم من أجل لحظتها إلى خصوم لها، وبين هذا وذاك قد يمتلك الخصوم غرور اللحظة، حين يجدوا أنفسهم فى تزايد، غير أنهم يغفلون حقيقة مهمة وهى، أن أى ثورة هى فى الأصل تقوم ضد حالة سياسية بلغت من السوء حتمية تغييرها، وقد يتلوها حالة ضبابية لأن سقف الطموح وقت الحدث الثورى يكون مرتفعا فى مقابل تحقيق إنجاز أقل على أرض الواقع، بالضبط كما حدث فى ثورة 25 يناير، غير أن هذا لا يمكن أبدا أن يلغى الشعارات التى طرحتها الثورة والأهداف التى قامت من أجلها.
فى حسابات ثورة 25 يناير وحتى الآن، أنها لم تلبِ طموح الملايين الذين شاركوا فى صنعها، وهناك الكثير مما يقال عن أسباب ذلك، لكن فى نفس الوقت علينا أن نعى حقيقة لا يمكن إغفالها وهى، أن هذه الثورة جعلت من المصريين طرفا فى صنع مستقبلهم، حتى لو كان هناك من يعطل ذلك، ففى كل بيت الآن عيون مفتوحة على المستقبل.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة