كثيرة هى الروايات الخيالية التى ترددها جماعة الإخوان، تاريخها ملىء بقصص لا تعرف أين بدأت، وأين انتهت، تزود الأحداث التى هم طرفها بوقائع تنتصر لها، وفى ذلك لا تجد وثيقة تاريخية لها تعترف بأخطاء ارتكبتها عبر تاريخها.
والأمر على هذا النحو يفقدها ميزة النقد الذاتى، والمراجعات التى تطرح عيوبا وتضيف مميزات، وأى جماعة سياسية على هذا النحو محكوم عليها بالفشل يوما ما، حتى لو طال بها الزمن، نعم استمرت جماعة الإخوان من عام 1928، لكن الظرف الخارجى كان يغذى استمرارها، فأخطاء الآخرين تعود عليها بالفوائد.
شىء من هذا أطل فى حديث بعض كوادر الجماعة عن فعاليات الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير، ففيما مرت المناسبة بهدوء ودون أى فعاليات جماهيرية مضادة يشار إليها، قال محمد منتصر المتحدث الإعلامى لما يسمى بـ«جبهة القادة الشبابية» فى بيان للجبهة: «عدد من شارك فى فعاليات الذكرى الخامسة للثورة بلغ 700 ألف»، صحيح أن القيادات التاريخية للجماعة تصف «منتصر» بـ«صحاف الإخوان» نسبة إلى سعيد الصحاف وزير الإعلام العراقى أثناء حرب أمريكا ضد العراق، والتى انتهت بسقوط صدام حسين واحتلال العراق عام 2003، غير أن المشكلة تكمن فى أن هناك من صفوف الإخوان من يصدق «منتصر»، وهناك عناصر على اقتناع بأن هذا اليوم شهد فعلا مظاهرات شارك فيها 700 ألف على مستوى الجمهورية، وعناصر أخرى ترى أن العدد أقل، لكنه مثلا 400 ألف أو 300 ألف، وعلى سبيل المثال يقول النائب البرلمانى السابق طارق مرسى المقيم فى تركيا: «المظاهرات مبشرة وأكبر بشكل واضح من السابق»، والحقيقة أن هذا قيادى إخوانى يعيش فى الوهم، ويجر معه آخرون إلى نفس سكته بالضبط، كما نرى نواب الإخوان فى برلمان 2012 وهو يعقدون جلساته فى تركيا، ويتخذون قرارات ويجرون مناقشات، ويقدمون بيانات عاجلة وطلبات إحاطة، أى يعيشون حياة برلمانية كاملة.
بالطبع حين يقرأ الناس مثل هذا الكلام أو يستمعون إليه، فى الوقت الذى ينطق الواقع بالحقيقة أمامهم، سيصلون إلى أنهم أمام جماعة تعيش فى وهمها، وتواصل أكاذيبها.
لم تشذ هذه الأكاذيب عن «ذات الجماعة» وتاريخها، فالذى يقول إن هناك مظاهرات شارك فيها 700 ألف لا يختلف فى شىء عن الذى أنكر وقائع اغتيال الجماعة للنقراشى باشا رئيس الوزراء قبل ثورة 23 يوليو 1952، وقبله اغتيال المستشار أحمد الخازندار، ولا يختلف فى شىء عن إنكار محاولة اغتيال جمال عبدالناصر فى ميدان المنشية عام 1954، وزعمهم بعد ذلك أنها تمثيلية، قول «إن المظاهرات مبشرة وأكبر بشكل واضح من الماضى»، لا يختلف عن تخاريفهم من قبل بإنكارهم لكل الإرهاب الذى ارتكبوه، لا يختلف فى شىء عما فعله تنظيم سيد قطب عام 1965 بوضع خطة لتفجير الكبارى والقناطر واغتيال الشخصيات العامة.
أى جماعة سياسية تبتغى الحكم أو لعب دور تاريخى مؤثر ويساهم فى التقدم، لا بد أن تنطلق من احترامها للحقائق، واحترامها للجمهور الذى تتوجيه إليه بخطابها، ومن يشذ عن هذه الشروط بالكذب وبث الأوهام لن يعيش طويلا، فقد تستطيع أن تخدع الناس بعض الوقت لكن لا يمكنك أن تخدعهم طول الوقت، وأهم جرائم الإخوان التاريخية فى اعتقادى هو إرهابها الفكرى الذى يقوم على بث الأكاذيب وتكرارها يوميا، فتزييف وعى الناس يكون مقدمة لسلخهم عن انتماءاتهم الوطنية الصحيحة، وهذا ما تلعب عليه طوال تاريخها من أجل تفريغ الأدمغة وإعادة تعميرها بما تقوله هى.