لم يعد لدى شك فى أن مجلس النواب الحالى بتركيبته الحالية ونوابه الحاليين سيدخلون فى معارك متتالية مع السلطات الأخرى، وخاصة السلطة التنفيذية وعلى رأسها رئاسة الجمهورية، ومجلس الوزراء، وموقعة رفض «قانون الخدمة المدنية» من قبل الأغلبية فى مجلس النواب، يؤكد ذلك وهو ما جعل رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى يرسل عتابه للنواب الذين رفضوا القانون، معتبرا أن هذا لن يؤدى إلا لمزيد من وقف خطوات الإصلاح الاقتصادى التى كانت الرئاسة تعتقد أن وجود السلطة التشريعية وهى مجلس النواب سيسرع من وتيرة هذه الخطوات طبقا لمفهومها، ولكن وبعد موقعة قانون الخدمة المدنية فإننا أمام معادلة مغايرة تماما لكل ما كان يكتبه بعض المحللين من أن مجلس النواب الحالى سيكون أداة فى يد السلطة التنفيذية، ولكن رفض قانون الخدمة المدنية يؤسس إلى علاقة جديدة بين الرئاسة والبرلمان، وهى «قليل» من الاتفاق كثير من «الاختلاف»، وليس الاختلاف أو الاتفاق كما كان البعض يظن وربما قلة الخبر لكثير من النواب الجدد، وهو ما سيجعل عملية الاختلاف وربما المعارضة غير المدروسة بين المجلس والسلطتين التنفيذيتين المتمثلتين فى الرئاسة ومجلس الوزراء، والحقيقة أن أغلب التحليلات والدراسات تراهن على أن كل طرف من مثلث اللعبة السياسية والتنفيذية فى مصر سيحاول إعمال حقوقه وسلطاته التى كفلها له الدستور.
وربما يحدث ذلك عندما تختلف الأجندة التشريعية للرئيس عن تلك التى للبرلمان، أو عندما يقوم البرلمان بإدخال تعديلات جوهرية على بعض القوانين التى يقترحها الرئيس أو حكومته، وهو ما حدث فى رفض قانون الخدمة المدنية الحكومى.
وربما تكون المعركة المقبلة هى بيان الحكومة، وكذلك تشكيلها إذا قام الرئيس بتشكيلها، وهو ما سيحدث لعدم وجود تكتل واحد لتشكيل حكومة جديدة إذا ما لم يعط المجلس ثقته للحكومة الحالية والحالة الثانية، هى موافقة الحزب أو الائتلاف على تشكيل حكومة الرئيس، ولكنه يختلف مع الرئيس أثناء الدورة البرلمانية على وضع الأجندة التشريعية أو على إقرار بعض القوانين التى يرى فيها الرئيس والحكومة ضرورة ملحة لاستكمال خطة عمل الحكومة.
وفى حال تحقق هذا السيناريو سيكون لمجلس النواب دور مهم وأكثر فاعلية فى تحقيق عملية التحول الديمقراطى، حيث سيسمح بتفعيل مبدأ التوازن بين السلطات، بما لا يغل يد الرئيس وحكومته فى تنفيذ خطط التنمية أو إدارتهم للملفات السياسية والاقتصادية المختلفة.
أما سيناريوهات الصدام والمواجهة، وهو السيناريو الأكثر تشاؤمًا وهو السيناريو الذى أراهن عليه وأشعر أنه هو ما سيحدث، الأول، هو حصول حزب من أحزاب رجال الأعمال على أكثرية عددية فى البرلمان، وتشكيله للحكومة.
والاحتمال الثانى، هو حدوث انشقاق بين القوى المدنية والليبرالية والمستقلين داخل البرلمان، وقيام هذه القوى المختلفة بالتكتل ضد الأجندة التشريعية للرئيس، وفى هذه الحال ربما يلجأ كل طرف إلى الدستور حيث يقوم الرئيس بتهديد البرلمان بالحل، وذلك لأنه تحققت من وجهة نظره حالة الضرورة التى نص عليها الدستور، وحينئذ يشرع الرئيس فى إجراء استفتاء شعبى لحل البرلمان.
وفى ذات الوقت يقوم البرلمان بسحب الثقة من الرئيس والدعوة لعقد انتخابات رئاسية مبكرة.
وخطورة هذا السيناريو، هو أنه يدخل البلاد فى دوامة جديدة من حالة الفوضى السياسية مرة أخرى، حيث يحاول كل طرف حشد أنصاره فى مواجهة الطرف الآخر، وبدلًا من الانتقال إلى بناء هياكل مؤسسات الدولة، وإحداث الاستقرار الدستورى، والانتهاء من المرحلة الانتقالية الثانية، تدخل مصر فى مرحلة انتقالية جديدة، ولكن هذه المرة لن تستقر فيها البلاد بأى حال من الأحوال، وبذلك أيضًا ينشغل الرئيس والبرلمان معًا عن تحقيق خططهم لتحقيق التنمية ومحاربة الإرهاب.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة