آه من الآلام التى تنتاب كل مصرى حينما تحل ذكرى ثورة 25 يناير، التى تحولت من يوم مجيد إلى كابوس كبير، ومن عيد جمع المصريين جميعاً إلى وعيد بين المصريين، ويوم خوف وترقب بينهم. إن الآهات لتزيد فى كل عام مع هذه الذكرى الجميلة التى ضاعت، والتى كان يعول عليها الشعب المصرى لحل مشكلاته، والآن مع بعض التأوهات، ونحن نتذكر أجمل 12 يوما فى تاريخ مصر قبل أن تتحول إلى سراب:
أولاً:- فى مثل هذه الأيام منذ خمس سنوات تفجرت ثورة 25 يناير، نتيجة للظلم الاجتماعى الرهيب، الذى وقع على أغلبية الشعب المصرى وغياب مؤسسات الدولة عن خدمة الناس وترهلها الشديد، وانتشار توريث الوظائف أو الحصول عليها بالرشوة، فكانت هناك أسعار للوظائف فى بعض القطاعات، فضلا عن السرقات الكبرى التى تزعمها حيتان كبار سرقوا المليارات دون وازع أو ضمير وتزوير الانتخابات، وضياع الحريات وغياب العدل السياسى أو تداول السلطة، آفات خطيرة كان يعج بها المجتمع المصرى الذى كان أشبه بمن يعيش على فوهة بركان، وكانت تفجر الثورة وقتها شيئا طبيعيا وتلقائيا وقدريا بعد سنوات طويلة من الركود والجمود والتيبس فى كل شىء، فلم يتصور أحد فى بداية الثورة نجاحها أو تحقيقها لأكبر أهدافها، وهو خلع أقوى نظام حكم مصر ثلاثين عاماً.
ثانياً: كان الإخلاص فى بداية الثورة كبيرا والتجرد عظيما، وكان الحب بين أطياف الشعب المصرى لا حدود له والميدان يسع الإخوانى والسلفى والمسيحى والاشتراكى والليبرالى، واليوم وبعد هذه السنوات أصبح كل واحد من هؤلاء لا يطيق الآخر.
وأنا أتحدى اليوم أن يمكث الإخوانى مع السلفى يوما واحداً فى أى ميدان دون أن يخون أو يبدع أو يدمر أحدهما الآخر أو أن يمكث الإخوانى مع المسيحى أو الإخوانى مع الليبرالى أو الاشتراكى فى ميدان واحد ساعة من نهار.
ثالثاً: بدأت ثورة يناير بدون قيادة، واستمرت كذلك حتى أصبحت القيادة بعد ذلك للتيارات الإسلامية، ولكن دون قائد محدد لا فى البداية ولا فى النهاية، لقد كان غياب القيادة أثناء الثورة وقبل رحيل مبارك ميزة كبيرة لها حتى لا تعتقل أو تقتل أو تساوم أو يضغط عليها.
ولكن بعد نجاح الثورة ورحيل مبارك، كان غياب القيادة سلبية خطيرة أدت إلى وقوع الثوار فى أخطاء قاتلة، كما أدت إلى غياب فلسفة تصحيح المسار أو مراجعته، واستثمار نجاحات الثورة على الأرض، مما أدى إلى تعاظم الآثار الجانبية للثورة وفشلها على مستويات عدة.
رابعاً: بدأت الثورة المصرية بداية جيدة، ولكن بمرور الأيام بدأت الأعراض الجانبية للثورة تظهر للعيان، مما أفقدها رصيدا كبيرا من ثقة عوام المصريين فيها، فالثورة كالأدوية لها فوائد عظيمة وكثيرة وحاسمة فى علاج أمراض كثيرة من أمراض المجتمع، وكذلك لها أعراض جانبية كثيرة.
والغريب أن الثورة المصرية كلما مر بها الوقت، ظهرت أعراضها الجانبية لعوام المصريين، فضلا ً عن خواصهم، ومن أهم الأعراض الجانبية التى بدأت سريعاً، تحول الثورة المصرية من السلمية إلى المولوتوفية، مما أدى إلى حرائق كثيرة كنا جميعا فى غنى عنها.
خامسا: لم تعرف الثورة فى بدايتها حصار المؤسسات السيادية، حتى إن الثورة نجحت دون أن تحاصر أى مؤسسة سيادية، ثم بدأ الحصار لوزارة الداخلية ومحاولة اقتحامها، مما أدى لخسائر فادحة بين الطرفين.
ولا أدرى ما هى علة اقتحام الداخلية الذى لو نجح كان سيؤدى إلى مجزرة فى الفريقين، ثم بعد ذلك عمد البعض ولأول مرة فى تاريخ مصر لحصار وزارة الدفاع، التى لم يحاصرها الشعب المصرى حتى بعد هزيمة 5 يونيو.