ما زالت هناك أشياء جميلة تحدث فى مصر، وعلى رأسها معرض القاهرة الدولى للكتاب، الذى وصل الآن لعمر الـ47 دورة، محققا قدرا كبيرا من الرواج الثقافى والفنى فى الشارع المصرى، فلمدة 15 يوما أو تزيد تنتشر رائحة الثقافة العطرة فى الحياة المصرية، وتصبح مشاهد مثل شراء الكتب أو قراءتها فى الشارع وطرق المواصلات أمرا عاديا ومقبولا من الجميع، فالمعرض ينتظره العشاق كل عام ويسعون إليه، بما يؤكد أن الثقافة ما زالت حية، وأن كثيرا من المواطنين إذا ما عرفوا مكان المعرفة سعوا فى تحصيل جزء منها والتزود بخيرها.
وهذا العام المعرض حافل ومهم، حيث تشارك فيه 43 دولة عربية و13 بلدا أجنبيا، كما أن هناك نحو 560 فعالية موزعة على أرجاء المعرض ما بين ندوات ومناقشات للكتب، وورش للأطفال، وعروض فنية، ومسرح مكشوف تقدم فيه العروض الموسيقية بتنوعاتها ذات طابع شبابى أو تراثى وفنون تشكيلية وتنظيم مهرجات للرسم على الأسفلت، كما أن أكاديمية الفنون التى تشارك لأول مرة فى المعرض، مع وجود 4 أماكن تنظم ورشا وعروضا للأطفال.
لكن الأهم والأخطر فى هذا الحدث الثقافى الكبير هو الأطفال، فمن الخير الذى فعلته إدارة المعرض أنها منحت الأطفال قدرا كبيرا من فعالياتها، ونوعتها بما يخرج بالثقافة من إطارها الضيق المرتبط لدى كثير من الأذهان بالكتاب فقط والقراءة وحدها للمفهوم الواسع لثقافة الحياة واكتشاف المواهب، لذا لا بديل عن زيارة الأطفال للمعرض كى تتسع الرؤية أمامهم، وتصبح لهم ذكريات ثقافية مهمة، والمفروض ألا يذهبوا مرة واحدة للفرجة، بل على الآباء أن يسمحوا لهم بالذهاب أكثر من مرة والمشاركة فى الفعاليات الموجودة حتى يلموا بكل جنبات المعرض ويتعرفوا على الأشكال المختلفة والمتنوعة للثقافة.
كذلك فإن الزيارات العائلية للمعرض مهمة جدا، وليست سلبية كما يراها البعض، ويتهمون من يقوم بها بأنهم يفكرون بمنطق «الرحلة» فقط، والحقيقة أن الأسرة التى تفكر فى الذهاب إلى معرض الكتاب، حتما هناك جانب ثقافى داخلها يتمثل فيها أو فى أحد أفرادها، كما أن الأسر سوف ترفع عدد الزائرين للمعرض، الذى حقق العام الماضى رقما كبيرا، ونتوقع له الزيادة فى الدورة الجديدة، والجو الأسرى سيمنح الجميع إحساسا قويا بالأمان، وهو مطلوب بقوة فى هذه الفترة.
نعم على الأطفال وعلى كل الأسر المصرية أن تتعامل مع معرض الكتاب بصفته رحلة وأكثر، وعلينا أن نساعدهم فى ذلك ولا نقلل من تواجدهم للاستمتاع، ولو خرج كل طفل بفكرة واحدة من معرض الكتاب، بجملة قرأها، أو بشخصية جعلها قدوته لتحققت الغاية المرجوة من إقامة هذه الفعاليات الكبرى.