هل أخطأ الفنان الشاب أحمد مالك والمعد ببرنامج أبلة فاهيتا شادى أبوزيد؟
الإجابة قاطعة بالإيجاب، فالشابان ارتكبا خطأ أخلاقيا بشعا فى السخرية من جنود الأمن، من أبناء الفلاحين القادمين من القرى والنجوع المصرية فى وجه بحرى والصعيد، الساهرين على حماية أمن واستقرار الوطن، التصرف المشين واللأخلاقى من الشابين المستهترين يعد جريمة، ليس فقط فى حق هؤلاء الجنود أو للشرطة بوجه عام، التى تقدم ضباطها وجنودها فداء وتضحية للوطن فى هذه الأيام العصيبة فى مواجهة الإرهاب الإخوانى الأسود، وإنما جريمة فى حق الشعب المصرى بأكمله، وإهانة لفئة عزيزة عليه، ارتضت بقناعة وإيمان الوقوف والسهر فى عز البرد، معرضة فى أى وقت لرصاصات الاغتيال من الإرهاب الغاشم الحاقد، فهؤلاء الجنود لا يستحقون من شباب مستهتر مستهزئ بكل معانى القيم والأخلاق ومعانى التضحية والفداء والبذل والعطاء من أجل الوطن، ولا يعرف أى معنى للرجولة والأدب، هذه السخرية ببرنامج هزلى تقدم فيه بالونات على هيئة شكل قبيح وبذىء لهم، لإظهار سذاجتهم أمام جمهور السوشيال ميديا أو تقديمه لإحدى القنوات الفضائية، فى إهانة بالغة لأفراد الشرطة دون إدراك ووعى لخطورة فعلتهما المشينة.
الخطورة الأكبر فى الواقعة، أنها تأتى من شابين، الأول فنان شبه معروف، وله معجبون ومعجبات وسط الأوساط الشابة التى تقلده فى حركاته وسلوكه، ويؤثر فيها بالتأكيد فى كل شىء يفعله، ولذلك ما قام به من سخرية بالبالونات المسيئة من جنود الأمن المركزى فى ميدان التحرير قد لا يمثل لدى معجبيه الصغار سوى «حركة كوميدية» أو «قلشة» بلغة هذا الجيل، ولا تستحق هذه الضجة، ولا علاقة لهم بأى معانى قد يتحدث عنها من هم أكبر سنا تتعلق بالاحترام والأدب وبهيبة الدولة وبكرامة الشرطى ومعانى التضحية وتقديم روحه ودمه فداء للوطن، فكل هذه المعانى «مش واصلة» بالمعنى البلدى لهذا الجيل والجيل الذى يسبقه. واقرأوا اعتذار أحمد مالك جيدا ليؤكد نفس المعنى، الذى قال فيه: «أنا عمرى عشرين سنة، وساعات فى السن ده تخرج الأفكار المتهورة بتسبق التفكير العقلانى.. دى لحظة تهور ومش محسوبة وفعلا ندمان عليها ..يمكن الموقف كله نابع من إحباط وعدم القدرة عن التعبير اللى جيلى، حاسه الأيام دى، بس برضه ميدنيش الحق إنى أتجاوز أو أعبر عن رأيى بطريقة متجاوزة فى حق الآخرين».
تلخيص الاعتذار، سواء لأحمد أو لشادى، أن هناك أفكارا ومعانى كثرة تربت عليها أجيال كثيرة فى الماضى عن الوطنية والتضحية، دفاعا عن سمعة الوطن، وذودا عن أرضه وحماية حدوده والسهر على أمنه واستقراره، وأناشيد «كلنا جنود»، واسلمى يا مصر أنا للفداء، وهذه أرضى أنا وأبى ضحى هنا، وغيرها من تراث فنى وأدبى وتعليمى غرس فى نفوس أجيال عديدة معانى الوطنية والفداء، لم تصل إلى شريحة كبيرة من الشباب المصرى خلال أكثر من 40 عاما مضت.
فمن نحاسب ومن نعاقب ومن الجانى؟ أحمد وشادى بطلا واقعة البالونات؟ أم منظومة تعليمية وثقافية وأخلاقية فاسدة سادت أخلاقياتها منذ بداية عهد الانفتاح فى السبعينيات، ودمرها عصر مبارك، وأنتجت شبابا غير مهتم أم مهموم بالوطنية والقومية وحب الوطن؟
الحساب مطلوب، ولكن لا بد من دراسة عميقة لأسباب ما حدث من أحمد وشادى، فهما ليسا الجناة وحدهما، فهما نتاج عصر الانحطاط فى كل شىء من التعليم إلى التربية إلى الثقافة إلى الأخلاق، فالواقعة هى جرس إنذار وضوء أحمر، إذا لم نتحرك سريعا لإعادة نسق التربية والتعليم والثقافة إلى مساره الصحيح بعد سنوات الانحراف التى طالت كثيرا وكثيرا جدا.