مرت خمس سنوات وكأنهم خمس دقائق، فهتافك فى أذنى، ودموع نصرك فى عينى، ودفء أحضانك فى عنقى، وعطر نضالك فى نفسى.
مرت خمس سنوات استشهد أبطالك فالمجد والجنة لهم، سجن بعض ثوارك، ونطالب بالحرية لهم، ضحى شبابك بأعينهم، وإيمانهم بك لم يتزعزع.
مرت خمس سنوات أصبنا كثيرا وأخطأنا كثيرا، تحدثنا كثيرا وصمتنا كثيرا، حلمنا كثيرا وأحبطنا كثيرا، أقدمنا كثيرا وتراجعنا كثيرا، تشجعنا كثيرا وتخاذلنا كثيرا، جملنا كثيرا وشوهنا كثيرا، انتصرنا كثيرا وهزمنا كثيرا، ولكن لم تكتب النهاية بعد.
خمس سنوات ولم تكتب نهاية الثورة بعد، ولا يوجد هناك من يستطيع أن يتنبأ متى ستنتهى، أو يعرف متى بالفعل بدأت الثورة هل من حركة كفاية فى 2004 أم فى انتفاضة القضاء فى 2006 أم فى إضراب العمال فى إبريل 2008 أم فى مطالب التغيير فى أواخر 2009 أم فى انتفاضة خالد سعيد فى يونيو 2010 فالثورة هى عملية تدافع الأحداث لتحقيق أهداف وتطبيق مبادئ، فالأحداث والتراكمات والتحولات التاريخية هى التى تصنع نجاح الثورات، فلا أعتقد أن هناك ثورة فى التاريخ نجحت فى تحقيق أهدافها بعد خمس سنوات.
خمس سنوات كبرنا فيهم وبيهم تعلمنا الكثير من أخطائنا، نضجنا ولم نفقد إيماننا بمبادئنا مبادئ الثورة المجيدة رغم التخوين ورغم التشويه ورغم الحرب علينا والانتقام مننا، يجوز يائسنا لبعض الوقت، ولكن ظل دفعنا عنها طوال الوقت، وفخرنا بها تاجا على رؤوسنا.
خمس سنوات مرت على الثورة ذات الشرعية الرئيسية لكل ما أتى بعدها، فلولا الثورة وانكسار حاجز الخوف فى يناير، لم يستطع المصريون أن يهزموا الخوف فى 30 يونيو.
خمس سنوات ومنكم من يسخر من الثوار ويسبوهم ويخونهم دون أى دليل أو محاكمة، ولكن فقط سلمتم عقولكم لإعلام النصب على الشعب. ولم يزيدهم (شباب الثورة) هذا السب والقذف والتخوين والتشويه إلا ثباتا وإيمانا أكثر بثورتهم وحلمهم بوطن عادل يحترم فيه كرامة المواطن.
خمس سنوات صمتت الثورة فيهم أحيانا، ولكن بدأ عام 2016 بصوت كل من شارك فيها، ليعلن بعد اليأس والإحباط دون خوف أنه شارك فيها، ويعلن مشاركته وهو فخور بها عبر هاشتاج اعتلى ترندات مصر، «أنا شاركت فى ثورة يناير» ليثبت للمصريين أن الثورة ليست أشخاصا تشوههم أو حدثا تتآمرون عليه، فهى فكرة آمن بها شعب أنتم عاجزين.
ويشاء المولى عز وجل فى بداية السنة الخامسة للثورة، أن يرد على كثير من الحاقدين المنتفعين من أنظمة سقطت والواصفين أعظم ثورة بأنها مؤامرة بثلاث أحداث متتالية، أولها الحكم النهائى فى قضية القصور الرئاسية على مبارك وأولاده، وأن يسجل التاريخ أنهم لصوص بحكم القانون، ثانيها قدوم النائب العام السويسرى إلى مصر وإعلانه بأن كل أموال مبارك ورجاله قد أتت من مصادر غير شرعية، ليصبح مبارك وعهده هى المؤامرة الحقيقية التى صنعت ضد مصر وشعبها، وتأتى الثورة لتسقط هذه المؤامرة، وأخيرا يقسم كارهو يناير على الدستور الذى مجد الثورة رغم عن أنفهم أمام الشعب المصرى، وكأن المولى عز وجل يريد بتدابيره أن يحنو على كل مواطن وإنسان مصرى شريف آمن بالثورة وخلد ذكراها ودافع عنها.
وستظل ثورة يناير هى الحلم الكبير والقيمة الحقيقية التى استطاع من خلالها الشعب المصرى أن يطبق بيت الشعر العظيم للشاعر أبو قاسم الشابى قولا وفعلا: «إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، ولا بد لليل أن ينجلى ولا بد للقيد أن ينكسر».
وبعد خمس سنوات من الثورة يمثلنى الآن بيت شعر لمحمود درويش:
(وبى أمل يأتى ويذهب ولكننى لا أودعه).