أحمد إبراهيم الشريف

بناء الأسوار حول المقابر..غياب الموعظة وقطع صلة الرحم

الثلاثاء، 05 يناير 2016 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
على جانبى الطريق السريع فى إحدى قرى الصعيد، كانت المقابر مزروعة بقداستها ترقد فى سلام دائم، فقد مر على وجود بعضها فى هذا المكان سنوات عديدة، لدرجة أن أطرافها تهدمت، وربما توارى بعضها تماما خلف قبر آخر حديث البناء، هذه القبور قديمها وحديثها بألوانها البيضاء كافية لأن تجعل الجميع يلتزم الصمت عندما يمرون من أمامها وربما يرفع أحدهم يده، مشيرا بالسلام «السلام عليكم دار قوم مؤمنين.. أنتم السابقون ونحن اللاحقون»، بينما البعض الآخر يستمر ويزيد فيقرأ الفاتحة للموتى جميعا.

عندما مررت فى المرة الأخيرة على هذه المقابر كان يحيط بها سور عالٍ لا يسمح برؤية ما وراءه ولا تعرف الغاية من بنائه، قد استقر حائلا بينك وبين الآباء والأمهات والأجداد الذين رحلوا وتركوا لنا خيطا من الوصل عن طريق رؤية مقابرهم، الآن بيننا وبينهم أسوار أقامها المسؤولون، وليس هناك سبب واضح لهذا البناء، فالسور الكبير لم يكن الغرض منه حماية القبور، لأنه ليست هناك أبواب حديدية، وليس الغرض منه الحد من انتشار المقابر، لأن الطريق السريع قد فعل ذلك، لذا أطالب المسؤولين بأن يشرحوا فكرتهم عن الهدف من هذا البناء، خاصة أننى قادر على أن أحدثهم عن خطاياه ومنها:
الخطيئة الأولى بناء السور يحجب الموعظة التى تأتى من رؤية المقابر وزيارتها، فقد أصبح الغرباء والجيل الجديد الآن لا يعرف ما الذى يوجد خلف هذه الأسوار، لذا يمرون على الأجداد مرور الكرام أو وهم يمرحون متخيلين أن خلف هذا المبنى العالى مزرعة أو مساكن، فتغيب الموعظة التى تقوم على رؤية المقابر وكثرتها بما ينعكس على القلب والعقل فلا تصبح هذه القلوب مطمئنة، أما العقول فيصيبها الشره، لأنها فقدت الاتعاظ بالموت.

الخطيئة الثانية أن بناء هذا السور يصنع ما يشبه القطيعة بين الأحياء والموتى فوجوده يعنى إقامة حاجز نفسى بين الطرفين، وبالتالى ربما يدفن الرجل أباه وأمه، ثم ينسى زيارتهما، لأنه لا يوجد امتداد بصرى يسمح بمسافة من التأمل، وبذلك تتقطع العلاقات، فالإنسان يشعر بأنه كما يقولون «مقطوع من شجرة»، لا أصل له وهذا يدفعه لارتكاب عدد كبير من الأشياء غير القويمة فى الحياة.

الخطيئة الثالثة عزل القبور بهذا الشكل سوف يساعد على تفشى ثقافة «قطع صلة الرحم»، فلن يفكر الإنسان فى زيارة الأحياء، لأنه لم يعد حريصا على زيارة الموتى، وعليه فسوف يجد الإنسان نفسه وحيدا فى هذا العالم، لأنه كلما مر أمام السور غير المنتهى الذى يفصل قبور الموتى عن مساكن الأحياء خبت فى روحه عدم التواصل مع الآخرين.

ليس الحديث هنا بقصد تمجيد الموت، لكنه رفض لحجب العظة من حياتنا، لأنها تقومنا وتهدينا الطريق الصحيح، ولأن صلة الرحم مع الموتى سينعكس على رقة قلوبنا، ويبعث فينا من الرحمة ما يخفف أحزاننا.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة