أين مصر مما يحدث مع إيران؟.. بعد إعلان السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران على خلفية التصريحات الإيرانية المهاجمة لإعدام المملكة للقيادى الشيعى السعودى نمر باقر النمر، فضلاً عن اقتحام محتجين لمبنى السفارة السعودية فى ظهران وتخريب محتوياتها، سارت دول عربية أخرى على النهج السعودى ومنها البحرين والسودان بإعلانهما قطع العلاقات مع إيران، فضلاً عن الإمارات التى قررت استدعاء سفيرها من طهران وتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسى مع الدولة الفارسية، ووسط كل هذه الحركة التى تكشف عن محاولة عربية لمحاصرة إيران دبلوماسياً، كان السؤال أين مصر، وما الموقف الذى ستتخذه فى هذه الأزمة؟
الحديث عن مصر تزامن مع زيارة وفد وزارى للرياض لحضور الاجتماع الوزارى المشترك المصرى السعودى، وضم الوفد وزير الخارجية سامح شكرى، مما أعطى انطباعاً بأن القاهرة تحضر لقرارات معينة بالتنسيق مع السعودية التى فتحت خطوط اتصال مباشرة مع القيادة المصرية طيلة الساعات الماضية، لإطلاعها على مجريات ما يحدث.
الواقع يشير إلى أن مستوى العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران منخفض فى الأساس، فهو على مستوى رئيس مكتب رعاية المصالح فى البلدين، ولم يصل إلى درجة سفير أو قائم بالأعمال، كما أنه رسمياً لا توجد علاقات معلنة ولا سرية بين البلدين، ولا تبادل للزيارات بين مسؤولى البلدين، كما أن حركة الدبلوماسية الشعبية التى نشطت بعد 25 يناير 2011 اختفت الآن، اللهم إلا زيارات لبعض الشخصيات الأكاديمية والسياسية والدينية والإعلامية لا تعبر بأى شكل عن وجهة نظر الدولة المصرية التى تنظر لأمن الخليج على أنه جزء أساسى من الأمن القومى المصرى، وأنه أى تهديد له يمثل تهديداً مباشراً لمصر، لذلك فإن العلاقة المصرية الإيرانية لم تشهد جديدا يستدعى صدور قرار متضامن مع السعودية فى أزمتها الأخيرة مع إيران، وإن كان القرار الرئيسى من جانب مصر أنها ضد كل التدخلات الخارجية فى الشؤون الخليجية، وأنها لن تتوانى فى الوقوف بجانب أشقائنا الخليجيين إذا تعرضوا لمكروه سواء من إيران أو غيرها.
ورغم حالة الحراك الذى تشهده المنطقة على وقع حركة الاستدعاءات الدبلوماسية للسفراء العرب من طهران، إلا أن ذلك لا يدلل على أن المنطقة مقبلة على حرب عسكرية، فكل الدول تعلم جيداً أن التكلفة البشرية والمادية لهذه الحرب لا تقدر أى دولة على تحملها، لذلك فإن المواجهة لن تخرج عن إطار الحرب بالوكالة، أو بعض التحركات التخريبية التى ستقوم بها فى الغالب إيران عبر أذرعها الممتدة فى دول المنطقة، من بينها حزب الله والشيعة فى دول الخليج والحوثيين فى اليمن، وهنا يبرز الدور المعلوماتى والتنسيقى بين الدول العربية لمواجهة هذه الأذرع الإيرانية، فضلاً عن الدور المصرى بما تملكه من قوة تأثير دينية عبر الأزهر الشريف، فضلاً عن التواجد الإعلامى، لأن اللعب على تطويع الفكر سيكون هو الغالب فى المعركة أو الصراع العربى الإيرانى.
هل ستبقى الدول فى موقع المتفرج على ما يحدث؟.. ليس أمامنا الآن سوى دعوات أمريكية أوروبية لضبط النفس فى المنطقة، ورغبة روسية فى التحرك للتوسط فى محاولة للسيطرة على الموقف قبل تفجره، وأعتقد أن الروس لديهم جدية فى هذا الطرح الخاص بالتوسط لعدة أسباب، منها أن استمرار الأزمة سيؤثر على سوق البترول العالمى بما يستتبعه التأثير على الاقتصاد الروسى الذى يعانى من تراجع كبير نتيجة انخفاض أسعار البترول، كما أن موسكو المتداخلة بقوة فى الملف السورى يهمها أن يكون هناك تفاهم مع الجول الرئيسية فى الإقليم على التوجه الروسى الداعى إلى حل الأزمة دبلوماسياً، وهذا الحل لن يمر إلا بوجود توافق أو على الأقل ترتيب سعودى إيرانى بمشاركة مصر وتركيا، باعتبار الدول الأربعة هى الفاعلة فى هذا الملف، وبالتالى فإن الأزمة الحالية بين الرياض وطهران ستؤجل الحسم فى سوريا بما سيؤثر عليه، وهو ما تحاول روسيا تجنبه التى تحاول حالياً تجاوز قطع العلاقات بين الرياض وطهران، وتحاول إقناع الغرب وتحديداً الولايات المتحدة بالمضى نحو تنفيذ التفاهمات الأخيرة على أمل إيجاد حل سياسى للأزمة السورية، وهو تصور مثالى من جانب الروسى، لأنه على أرض الواقع لن يكون له أى أثر للأسف، لأن الدولتين لهما مناطق نفوذ واضحة فى سوريا، ويستطيعان إشعال الموقف من جديد إذا لم يحدث بينهما توافق.