فى البرلمانات السابقة، كان نواب الحزب الوطنى ينجحون بفضل تدخل الأجهزة الأمنية، وكانت طلباتهم تلبى من قبل المحافظ والوزير ليس لأنه نائب عن الأمة، ولكن لأنه نائب عن «الوطنى»، أما فى برلمان 2015، فالوضع مختلف، نحن أمام نائب شارع وليس نائب حزب وطنى، نائب ينتمى لك، يطالب بمصلحتك ويسعى وراء تنفيذها، نائب يعلم أن نجاحه مرهون بأن يقدم الخدمة لك، لا أن يقدم الطاعة والولاء للحزب الوطنى.
لماذا أطرح مصطلح «نائب الشارع»؟ لأننا بكل بساطة أمام واقعة تجسد الأمر وتعكس أن البرلمان المقبل سيكون بمثابة تحدّ حقيقى للنواب أمام المواطن، قبل 48 ساعة، كان وزير الصحة يزور بولاق ليتفقد عددا من المستشفيات والمراكز الصحية، وما إن علم نواب محافظة الجيزة، حتى تجمعوا بالمستشفى دون أن يخطرهم الوزير أو يتلقوا أى دعوة من المحافظ، وأصروا خلال الزيارة أن يشاهد الوزير بنفسه سلبيات المستشفيات، وليس فقط الإيجابيات، لدرجة أن النائبين عمرو أبو اليزيد ومحمد الحسينى، طلبا من الوزير أمام الجميع أن يتوقف عن مشاهدة الإيجابيات فقط، بل وطلبوا أن يستمع إلى شكاواهم، ولكن الوزير رفض بحجة ضيق الوقت.
النواب اشتكو الوزير واستاءوا من طريقة تعامله معهم، بل وهاجموه فى وسائل الإعلام، حتى إنهم شددوا على أن أول طلب إحاطة لهم فى البرلمان سيكون ضد الوزير، باعتباره لم يراع مصالح المواطنين ولم يستمع لشكاواهم.
هنا نحن أمام إشكالية مفادها أن المسؤولين التنفيذيين ليسوا على نفس الخط من المسؤولية تجاه النواب والشعب، يتعاملون مع الخدمات باعتبارها هبة من الحكومة للشعب، وليس باعتبارها حقا أصيلا للشعب ومطلبا أساسيا لا بد على الحكومة أن توفره للمواطن المصرى البسيط.
بالأمس فى برنامج الكاتب الصحفى والإعلامى خالد صلاح على قناة النهار، رفض وزير الصحة المشاركة فى مداخلة هاتفية بالبرنامج، رغم أن فريق الإعداد اتفق مسبقا مع الوزير، وسبب رفض الوزير هو أن البرنامج استضاف على الهواء النواب وفتح لهم مساحة كافية من الهواء للحديث عن مشاكلهم، وهو أمر رفضه الوزير واعتبره إهانة له.
والإهانة هنا تحتاج إلى إعادة تعريف، لأن ما يعتبره الوزير إهانة، هو أساس عمله، بل هو جوهر وظيفته كمسؤول عن ملف الصحة فى مصر، الواقعة بتفاصيلها تنبئ بأننا أمام نوعين من المسؤولين، نواب بدرجة شارع سيفعلون أى شىء مقابل كسب ثقة المواطنين الذين انتخبوهم وسيفعلون كل الجهد لتحقيق طلبات نوابهم، وفى المقابل مسؤولون تنفيذيون لم يدركوا حتى الآن أنهم تحت الرقابة وتحت المسؤولية، وأن طيلة الفترة التى عاشوها السنوات الماضية بدون رقابة لغياب البرلمان، قد انتهت وجاء نواب ولاؤهم الوحيد للمواطن، للشارع، للمصلحة العامة.
فى الماضى، كان الوزراء يلقون باللوم على الإعلام باعتباره «يهيج» الرأى العام ضد الوزراء والحكومة، غير أن الوقت الحالى سيحتل النواب والبرلمان محل الإعلام ويلعب هو دور الموجه للانتقاد وصاحب الصوت المختلف، هو من سيقول لأى مسؤول «أنت أعور» فى وجهه، وأعتذر عن اللفظ.
التحليل الأولى ينبئ بأن البرلمان المقبل سيكون برلمانا ذا أهمية كبيرة تنطلق من التحديات الملقاة على النواب، سواء بالتشريع أو الرقابة، والأداء فى الأسابيع الأولى سيكون الكاشف لخط سير البرلمان وتحركاته وعلاقته بالحكومة ورئاسة الجمهورية أيضا.
محمود سعد الدين
نواب الشارع..قصة الصدام المبكر بين نواب المجلس ووزراء الحكومة
الخميس، 07 يناير 2016 06:01 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة