من سينجح فى التوسط بين إيران والسعودية؟
نحن الآن أمام مجموعة من الوسطاء الإقليميين والدوليين يعرضون التوسط لإنهاء التوتر الذى نشب بين المملكة العربية السعودية وإيران على خلفية اعتداء مهاجمين إيرانيين على مبنى السفارة السعودية والقنصلية بإيران، فضلاً على الاعتراضات والتصريحات الإيرانية الشديدة اللهجة ضد المملكة فى أعقاب إعدام القيادى الشيعى السعودى نمر باقر النمر.
روسيا كانت أول من عرض القيام بوساطة بين البلدين، محذرة من نشوب توتر يؤثر على وضعية المنطقة، ومن بعدها أعلنت الولايات المتحدة أن وزير خارجيتها جون كيرى شجع المسؤولين السعوديين والإيرانيين على الحوار لتجاوز الأزمة التى قد تؤثر على مسار عملية السلام فى الشرق الأوسط، وأشارت الخارجية الأمريكية إلى أن كيرى تحدث على سبيل المثال عدة مرات الثلاثاء الماضى مع مسؤولين سعوديين وإيرانيين لتشجيع الحوار، وأنه كذلك أجرى اتصالات بمسؤولين آخرين فى المنطقة، بهدف البحث عن كيفية نزع فتيل التوتر والتشجيع على الحوار والمشاركة بين الرياض وطهران.
وفى أعقاب ذلك، دخلت تركيا والعراق على خط الأزمة، وأعلنا عن رغبتهما فى التوسط، وقدمت بغداد نفسها وسيطًا بين الدولتين لإنهاء التوتر بينهما، وحذر وزير الخارجية العراقى إبراهيم الجعفرى فى مؤتمر صحفى مشترك مع نظيره الإيرانى فى طهران من مغبة أن يثير الخلاف بين الدولتين الجارتين تداعيات واسعة فى المنطقة، وقال: «لنا علاقة وطيدة مع الجمهورية الإسلامية وكذلك مع أشقائنا العرب، لذلك لا يمكن للعراق أن يقف ساكتًا إزاء هذه الأزمة».
آخر من أعلن التوسط هو سلطنة عمان، فقد زار وزير خارجيتها يوسف بن علوى طهران الأربعاء الماضى للقاء الرئيس الإيرانى حسن روحانى ووزير خارجيتها، حيث تعول السلطنة على علاقاتها بالبلدين، خاصة أن التقارير الإخبارية العمانية كلها تؤكد نقطة واحدة، هى أن الموقف العُمانى من الأزمة بين السعودية وإيران محكوم بثوابت السياسة الخارجية العُمانية على مدى أكثر من خمسة وأربعين عامًا، ففى الوقت الذى تؤمن فيه السلطنة بأهمية وضرورة الالتزام المتبادل باحترام السيادة، وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والالتزام كذلك بقواعد القانون الدولى الحاكمة للعلاقات بين الدول، بما فى ذلك اتفاقيات فيينا لعام 1961، بما تتضمنه من توفير الحماية للبعثات الدبلوماسية ولمقرات تلك البعثات فى الدول المختلفة، وغيرها من الاتفاقيات الحاكمة فى هذا المجال، فإن السلطنة تحرص كذلك على إقامة أفضل العلاقات الممكنة مع كل الدول بدون تقاطع تحت أى ظرف من الظروف، فعلاقاتها مع أى دولة لا توجه ولا تتداخل أو تتقاطع مع علاقاتها مع أى دولة أخرى، مع ما تحظى به العلاقات مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من أولوية ومكانة عميقة ومستقرة ومتواصلة أيضًا، على المستويين الثنائى والجماعى، وذلك بحكم الروابط والوشائج والالتزامات بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
نحن إذن أمام دول لديها القدرة على التوسط لعلاقتها مع كل من الرياض وطهران، لكن لا يعنى ذلك أن هذه الوساطات ستأتى بنتائج فورية تنهى التوتر الناشب بين البلدين، خاصة أنه للآن لم يصدر أى رد فعل رسمى من جانب السعودية على عروض الوساطة هذه، بما يشير إلى أن المملكة مصممة على شىء ما، وأنها تنتظر اجتماع مجلس التعاون الخليجى الاستثنائى الذى سيعقد فى الرياض غدًا السبت لمناقشة التوترات مع إيران، واجتماع وزراء الخارجية العرب الذى سيعقد فى القاهرة الأحد، خاصة أن الأزمة الآن تشعبت ولم تعد مقصورة على السعودية بمفردها، بعدما أعلنت دول عربية مساندتها للموقف السعودى، فمنها من قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران أو خفضت مستوى التمثيل الدبلوماسى معها، أو اتخذت مواقف دبلوماسية تنم عن حالة رفض لما قامت به طهران فى مواجهة المملكة.
إذن حديث الوساطات لن يأتى بجديد إلا بعد أن تحقق السعودية على أقل تقدير شروطها، ومنها أن تتوقف إيران عن التدخل فى الشؤون الداخلية لبعض دول المنطقة، وأن تقلل أو تنهى إيران دعمها للحوثيين فى اليمن ونظام بشار الأسد فى سوريا، وهذه الشروط أو المطالب المشروعة من جانب المملكة لن يتم التفاوض حولها بين يوم وليلة، إنما ستحتاج لوقت ونقاش طويل، خاصة لارتباطها بقضايا عابرة لحدود الدولتين، لذلك فإن هذه الوساطات ستتطلب النفس الطويل، لذلك فالمرجح أن يكون التحرك العمانى هو الذى سيأتى بنتيجة قياسًا على تجاربه السابقة، خاصة فى ظل توفير أجواء للتوافق بين إيران والقوى الغربية الكبرى حول الملف النووى الإيرانى، وهو ما استدعى جلسات وجولات امتدت لعدة أشهر.