لماذا يسارع أردوغان للارتماء فى أحضان إسرائيل؟.. يفتتح الرئيس التركى رجب طيب أردوغان عام 2016 بتأكيده على حقيقة الحاجة إلى إسرائيل، قائلا إنها «حقيقة واقعة فى المنطقة»، وجاءت هذه التصريحات فى أعقاب المفاوضات التى تجرى بين تل أبيب وأنقرة، بعد خمس سنوات من القطيعة الظاهرية بين البلدين عقب اقتحام جنود إسرائيليين سفينة «مرمرة» التركية التى كانت متجهة إلى قطاع غزة، وقتلت إسرائيل عشرة نشطاء أتراك كانوا على متن «مرمرة». ما قاله أردوغان بشأن علاقة بلاده بإسرائيل يعد تأكيداً لأمر واقع، فالعلاقات بين أنقرة وتل أبيب قوية، ولم يؤثر عليها حت حادث «مرمرة» الذى لم يمنع من استمرار العلاقة الخفية التى كانت تقوم على تبادل اقتصادى وتعاون أمنى عسكرى، لكن جاءت الأحداث الأخيرة التى أعقبت إسقاط تركيا للطائرة الروسية، وفرض الاتحاد الروسى قواعد لعبة جديدة فى سوريا، فقدت ليدفع أنقرة للإعلان عن العلاقة مع إسرائيل، أو بمعنى آخر الارتماء فى أحضان إسرائيل من جديد بشكل علنى وعدم الاكتفاء بالعلاقة السرية.
أردوغان الذى حاول أن يصبغ على نفسه شكل السلطان العثمانى أراد خلال الفترة الماضية وتحديداً فى أعقاب الربيع العربى أن يحقق لنفسه أكبر قدر من الاستفادة، انطلاقاً من الانتهازية التى تحكم عقلية القيادة التركية، فظهر وكأنه راعى الثورات العربية بل الأب الروحى لها، وروج لفكرة أنه المعادى القوى لإسرائيل وسياساتها الاستيطانية فى فلسطين، وأنه لن يتراجع إلا بعد أن يحقق الاستقلال التام لدولة فلسطين، وبنى علاقات قوية مع تيار الإسلام السياسى الذى ينتمى له أيدلوجياً، وأراد من هذه العلاقة أن يثبت نفسه كخليفة للمسلمين أو بالمعنى التركى «السلطان الجديد»، لكن جاءت 30 يونيو لتقلب الطاولة على أرودغان وبقية رفاقه فى الحكم التركى، فحكم تيار الإسلام السياسى الذى تقوده جماعة الإخوان أصيب بضربة قوية فى مصر أنهت عليه، كما أن الأوضاع الداخلية فى تونس دفعت حركة النهضة للانزواء، وفى ليبيا تم لفظ حزب الإخوان، ولم يبقَ أمام أردوغان إلا إخوان سوريا واليمن، فحاول اللعب عليهما لكن الحسم لم يتم فى البلدين، فما كان أمامه إلا صديقه القديم «إسرائيل» فهرول إليها، بعدما خسر الجميع.. خسر مصر وأخيراً روسيا، فهو يناور الآن بإسرائيل عله يصل لمبتغاه بأن يتعود لبلاده علاقات قوية مع من فقدهم، لذلك حاول من جهة أخرى التقرب بقوة من المملكة العربية السعودية علها تحقق له هدفه، لكن الأمر قد يأخذ وقتاً، كما أنه سيضطر معه أردوغان إلى تقديم تنازلات ربما تؤثر على وضعية حزبه الداخلية الذى يحاول الآن تحقيق اختراق فى عملية تعديل الدستور التركى لتغيير بنية نظام الحكم من برلمانى إلى رئاسى، حتى يكون فى يده الصلاحيات الكاملة التى فقدها قانونا ودستورياً بعد تركه لرئاسة الحكومة، وإن كان يمسك بها عرفياً بالتوافق مع رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو.
هل يريد أردوغان أن يكون هتلر تركيا؟.. هذا ما يرغب فيه أردوغان بالفعل، وربما كان تصريحه قبل عدة أيام تأكيدا على الرغبة الدفينة بداخله بإشارته إلى ألمانيا النازية بزعامة هتلر فى معرض دفاعه عن النظام الرئاسى القوى الذى يريد إقامته فى تركيا، حيث نقل عن أردوغان قوله للصحفيين خلال عودته من زيارة إلى السعودية مساء الخميس الأسبوع الماضى «فى ظل نظام وحدوى «كما فى تركيا»، بالإمكان إقامة نظام رئاسى بشكل ممتاز، هناك أمثلة فى العالم وعبر التاريخ. وترون المثال فى ألمانيا هتلر». ورغم أن الرئاسة التركية حاولت تفادى آثار زلة اللسان التى تكشف نوايا أردوغان، بنفيها أن تكون إشارة أردوغان إلى هتلر تضمنت أى تأييد للنازية، إلا أن الواقع يؤكد رغبة رئيس تركيا فى يكون لديه النزعة الهتلرية، فمن خلال تتبع تاريخ حكمه ستجد أن أردوغان الذى يقود تركيا منذ عام 2002، أولا كرئيس للوزراء ومن ثم كرئيس منذ عام 2014، يريد تغيير الدستور، بحيث ينتقل دور الرئيس من منصب رمزى إلى رئيس بصلاحيات واسعة، مثل الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا، وهو ما أكد عليه أكثر من مرة بقوله إنه يعتزم خلال 2016 تعبئة المجتمع التركى للنقاش من أجل التوصل إلى «توافق اجتماعى» حول طموحاته الرئاسية.
أردوغان حائر الآن بين الرغبة فى أن يكون السلطان، لكن كيف يحدث ذلك وهو فقد سلطاته خارج حدود تركيا، وما بين النزعة الهتلرية التى يراها مناسبة له فى الوقت الراهن.