من الرائع أن تهتم الدولة بقضية «ختان الإناث»، وأن تقوم ممثلة فى وزارة الصحة بصناعة دائرة معرفية كبرى للمواطنين حول هذا الموضوع والسعى للتأثير فيهم بكل الطرق الممكنة، لكن هناك مؤشرا خطيرا حدث ويجب التوقف أمامه دون اتهام أو تخاذل، وهو أن وزارة الصحة قامت بمخاطبة كل من الأوقاف والكنيسة للمشاركة فى التوعية وتوضيح الموقف الدينى من هذه العملية التى يتعرض لها البنات فى مصر بشكل ممنهج، وأثناء ذلك لم يأت أى ذكر لوزارة الثقافة أو لدورها وقدرتها على صناعة الوعى فى الشارع المصرى وتغييره.
حدث هذا مع أن وزارة الثقافة هى الضلع الأول فى أى تجمع توعوى خاصة فى مثل هذه القضايا التى يمكن بسهولة وصفها بالشائكة، وفى تحليلنا لهذا الأمر نجد أنفسنا أمام تفسيرين لوزارة الصحة إما أن عدم دعوة وزارة الثقافة للمشاركة هو نوع لغياب التنسيق بين مؤسسات الدولة وهو أمر كما تعلمون يحدث كثيرا، أو، وهو الأمر الأخطر، أنه شك فى قدرة «الثقافة» على إحداث الوعى المطلوب فى الشعب.
ونقول إنه لو كان الأمر غياب تنسيق فيمكن تداركه وإعادة التواصل مع الوزارتين، بعدها تقوم «الثقافة» بالتحرك ووضع خطة بالتوازى مع المؤسسات الدينية للوصول للآباء والأمهات فى البيوت والتلاميذ والتلميذات فى المدارس والعاملين والعاملات فى مواطن عملهم المختلفة وإيضاح الأثر النفسى والاجتماعى لظاهرة الختان.
كذلك بعد التنسيق يمكن لقصور الثقافة أن تستضيف أطباء متخصصين لمناقشة الأمر طبيا والتعريف بمدى أثره الصحى على البنات ومستقبلهن، كذلك استضافة رجال دين مسلمين ومسيحيين يتناولون الأمر خاصة أن كثيرا من المجتمع المصرى لا يقر فى أذهانهم إلا ما يقول به رجال الدين.
كما يمكن للثقافة أن تطبع فى هيئاتها الكثير من الكتب التى تعرضت لهذه الظاهرة والتى وضحت أضرارها النفسية والصحية وأن يتم توزيع هذه الكتب فى كل مدارس مصر على مختلف محافظاتها، حتى يمكن بناء مجتمع لديه الوعى المناسب للتعامل مع هذا الأمر.
والخلاصة فى هذا الأمر أنه يمكن للثقافة بمواقعها المختلفة فى حالة التنسيق أن تقوم بدور الإطار الذى تتم من داخله الرسائل بدلا أن تكون مكتفية بالمساجد والكنائس فقط، وذلك لتشعب مداخل الثقافة وتنوع طرقها وسهولة وصولها إلى كل مكان.
كل الذى ذكرناه سابقا متعلق بحالة لو كان تجاهل «الصحة» لوزارة الثقافة ناتج عن غياب التنسيق بين الوزارات ومؤسسات الدولة المختلفة، أما لو كان الأمر ناتج عن عدم ثقة فى وزارة الثقافة فهذا شأن آخر.