ليس من مصلحتنا أن تطول سنوات المقاطعة مع إيران، حتى وصلت لخمسة وثلاثين عاما، دون مبرر يعزز استمرارها، فالدولة المصرية تجاوزت حروبها المريرة مع إسرائيل، وتقيم معها سلاما وعلاقات دبلوماسية وتجارية وتنسيقا أمنيا، بينما لا تفعل بالمثل مع إيران الشريكة الأساسية فى المنطقة والعالم الإسلامى ودول عدم الانحياز، والتى لم نخض معها حربا بل مررنا معها بعلاقات مصاهرة ملكية فى أربعينيات القرن الماضى.
وليس من المعقول أن نعتمد ما يروج عن تهديد طهران لأمن الخليج مبدأ راسخا، وعقيدة تحول دون حوار جاد وعلاقات عادية مع الدولة الإيرانية، بينما دول الخليج نفسها تتبادل السفراء مع طهران، وتقيم علاقات اقتصادية وسياسية مزدهرة معها.
وإذا كنا نعتمد حقا مبدأ أن أمن الخليج جزء لا يتجزأ من الأمن المصرى، فهل تتحقق قدرتنا على حماية هذا المجال الأمنى الواسع بفعالية أكبر فى حالة المقاطعة والعداء مع ما يعتبره البعض التهديد الأكبر لدول الخليج، أم حال وجود قنوات واسعة للتواصل وعلاقات راسخة تسمح بتعزيز الحوار والتفاوض والتدخل السريع فى الأزمات.
ووسط هذا الحراك المتسارع فى المنطقة واتفاق واشنطن وطهران الأخير الذى يسمح لإيران بالعودة التدريجية لمكانتها أيام الشاه، أين رد الفعل المصرى؟ ولماذا هذا الصمت المؤثر سلبا بالتأكيد على المصالح المصرية؟ أهو نوع من التحييد لصالح الموقف السعودى مثلا؟ وما حجم الخسائر المصرية من جراء هذا الحياد المرتبط بموقف سلبى رافض للأيدى الإيرانية الممدودة بالتعاون مع مصر؟
على العكس من ذلك، شارك عدد من نواب البرلمان فى مؤتمر المعارضة الإيرانية فى باريس، الأمر الذى تسبب فى تحطيم الجسور الهشة بين البلدين، وكانت استدعت الخارجية الإيرانية السفير خالد عمارة القائم على رعاية المصالح المصرية فى طهران لتبلغه احتجاجها الشديد رغم عدم وجود مسؤول حكومى واحد فى الوفد المشارك.
الخلاصة، أن الدولة المصرية لا يمكن أن تبنى موقفا إقليميا قويا ومتوازنا دون تحرك إيجابى فى اتجاه إيران، فمع ما تشهده المنطقة من تحولات دراماتيكية وحروبا معلنة ومتوقعة لا يجب أن نخسر علاقاتنا مع إيران وتركيا فى نفس الوقت، ولا يجب أن نسمح لأحد فى المنطقة العربية أن يملى علينا مواقفنا التى تخصم من قوتنا لصالح أهوائه، وتحركاته غير المدروسة، والتى ستعود نتائجها الكارثية على المنطقة بأسرها.