بالقطع الجمهور لا يثق بهم لأن مواقفهم السابقة محفوظة ومنشورة ويمكن للجمهور استرجاعها
س: لماذا يتحول بعض الصحفيين والإعلاميين من التأييد الشديد للحكومة- أى حكومة- طوال حياتهم إلى المعارضة بعد الإحالة للمعاش؟
ج: هم قلة بين الصحفيين والإعلاميين، لكنهم يشكلون ظاهرة ملفتة للانتباه، فريق منهم يتحول بحثا عن دور تحت الأضواء، بعد أن أحيل للمعاش، ولم يعد له مكتب فى صحيفته أو مساحة يكتب فيها، ثم وجد أن من متطلبات العمل فى صحيفة حزبية أو مستقلة إبداء قدر من المعارضة. وفريق ثانٍ كان يؤيد أملا فى منصب أو ترقية، ولكن بعد أن بلغ الستين تبدد كل ذلك، وبالتالى حاول أن يكفر عن مواقفه السابقة فى الدفاع عن الحكومة «على الفاضى والمليان»، وتزييف وعى الناس والكذب الممنهج عليهم. وفريق ثالث كان يؤيد ويكذب على نفسه وعلى الناس، لأنه خائف من فقدان وظيفته أو البرنامج الذى يقدمه، إذا أبدى رأيا معارضا، وهذا الفريق عندما يصل لسن المعاش يتحرر من خوفه ولا يجد ما يخسره، ويبدأ بعد الستين فى ممارسة ما حُرم منه أو حَرم نفسه منه، وهو التفكير الحر وإبداء رأيه بحرية.
س: ألا يخجلون؟
ج: طبعا لا، لأن معظم المتحولين يؤمنون بأنهم يمارسون عملا مهنيا سواء فى الموالاة المتطرفة للحكومة، أو أى نظام، أو المعارضة للحكم الحالى.. يعنى بالبلدى كده عندهم الموضوع كله أكل عيش!!، لأن معاشات الصحفيين والإعلاميين ضعيفة للغاية ولا تفى بمتطلبات الحياة، وبالتالى كل واحد من هؤلاء يبحث عن مصدر جديد للرزق.
س: لكن بعضهم لا يعمل فى صحيفة أو قناة تليفزيونية، ويعارض من بيته، ومن خلال السوشيال ميديا؟
ج: صحيح، وأعتقد أن أغلب الذين يعارضون من منازلهم ومن السوشيال ميديا، هم أفراد الفريق الثالث الذين تحرروا من أنفسهم ومن الرقابة الذاتية ورقابة رؤسائهم فى العمل.
س: إذن لماذا يتشدد الإعلاميون المتحولون فى معارضتهم للحكم رغم أن أغلبهم كانوا من أشد المؤيدين للرئيس السيسى؟
ج: لا أملك إجابة محددة عن هذا السؤال، لأننا إزاء ظاهرة محيرة، وغريبة، لكن ربما يعارضون بشدة ويستخدمون لغة الحنجورى أملا فى الفرقعة الإعلامية، وجذب الأنظار، وزيادة الإقبال على صفحاتهم بوسائل السوشيال ميديا، وبالتالى زيادة أجورهم، وربما لأنهم يبالغون فى توبتهم.
س: وهل تعتقد أن الجمهور يثق فى كلامهم الجديد ويصدقهم؟
ج: بالقطع لا.. لأن مواقفهم السابقة محفوظة ومنشورة فى الصحف، ويمكن للجمهور استرجاعها ومشاهدتها على جوجل ويوتيوب.
س: إذا كان هؤلاء الإعلاميون المتحولون صادقين فى معارضتهم لماذا لا ينضمون لأحزاب ويمارسون العمل السياسى؟
ج: الأحزاب ضعيفة، ولا توفر فرص عمل أو رواتب إضافية بجانب المعاش الضئيل، والأهم أنها لا توفر البريق الإعلامى الذى تَعوّد عليه المتحولون، ومع ذلك بعضهم انضم لأحزاب من أجل العمل فى الصحيفة التى يصدرها هذا الحزب أو ذاك.
س: هل الإعلاميون المتحولون ظاهرة مصرية؟
ج: من حق أى صحفى أو إعلامى، أن يُغيّر مواقفه السياسية، ونجد كثيرا من المشاهير فى الإعلام الأجنبى مارسوا هذا الحق، ولكن ليس على الطريقة المصرية التى ترتبط بسن المعاش، أو كما يقال سن اليأس من تولى منصب قيادى فى إعلام الحكومة. كما أن تغيير المواقف فى الدول الديمقراطية يختلف عما يحدث عندنا، لأنه فى أوروبا والدول المتقدمة هناك حريات وتقاليد مهنية، والأهم أنه لا توجد صحف قطاع عام، كما أن الإذاعة والتليفزيون يتمتعان بالاستقلال عن الحكومة، ويمولهما دافعو الضرائب، ويعملان فى إطار مفهوم الخدمة العامة.
س: هل يعنى هذا أننا لن نجد ظاهرة المتحولين فى الصحف والقنوات المصرية الخاصة؟
ج: ربما لن نجدها بنفس الكيفية والدرجة التى نجدها فى أصحاب المعاشات المتحولين من الصحف القومية وماسبيرو.. لكن علينا أن ننتظر ونرى كيف ستتعامل الصحف والقنوات الخاصة مع العاملين فيها عندما يبلغون سن المعاش.