يقول الناس إن فاروق شوشة هو حارس اللغة العربية فى زماننا، وهذا صحيح، ويقولون إنه حالة ثقافية جميلة لن تتكرر بسهولة، وهذا صحيح أيضا، وبرحيله حدث نوع من الخلل لا يعرفه سوى المشغولين باللغة العربية ومستقبلها وهمومها، والذين يدركون أنها فى خطر وأنها تعانى، خاصة بعدما تحولت لدى الكثيرين إلى مجرد وسيلة «نفعية» تؤدى واجب التواصل وأن الجانب الجمالى لا داع له لأنه رفاهية زائدة.
كانت أول قصيدة أقرأها لفاروق شوشة هى «يقول الدم العربى» وكانت آخر قصيدة أقرأها له هى «خدم خدم» التى أثارت ضجة كبرى عند ظهورها، وبين القصيدتين تعرفت على الوجوه المتعددة للرجل المهموم باللغة التى أحبها فأحبته، ومنحته فصاحة وبلاغة وطريقة جميلة فى الإلقاء، وقدرة على التواصل مع جميع الأجيال الأدبية فى مصر والعالم العربى.
تميز فاروق شوشة عن كثير من المثقفين بأشياء متعددة منها وجوده المميز فى الإذاعة ببرنامجه «لغتنا الجميلة» الذى كان يحقق نسبة استماع عالية ويعرفه الجميع فى الشارع المصرى المتخصص وغير المتخصص، كذلك برامجه التليفزيونية المتعددة، وكتابته فى المجلات ذات الشعبية الكبيرة خاصة مجلة العربى الكويتية، كما أن الله قد منحه «ذوق» الاختيار، فكان يقدم النصوص الجميلة فنقرأها أو نسمعها منه كأنها المرة الأولى التى نعرف أن هناك نصوصا بهذا الجمال فى تراثنا العربى.
كما أن التاريخ سيظل محتفظا لفاروق شوشة بالحلقة التليفزيونية التى استضاف فيها الشاعرين الكبيرين أمل دنقل وعبدالرحمن الأبنودى فى بداية الثمانينيات وقبل رحيل «دنقل» بشهور قليلة، وجمال هذا اللقاء ليس لكونه نادرا بسبب وجود «أمل» فقط، لكنه لقاء نموذجى فيما يتعلق ببرنامج ثقافى، فالثقافة الكبيرة التى تميز بها شوشة أعطت للبرنامج صبغة مميزة وجعلت الشاعرين المهمين يتناولان أصعب القضايا الفلسفية مثل الحداثة وغيرها بشكل بسيط جميل، فقد استطاع فاروق شوشة فى نهاية البرنامج أن يوجد لك أسباب عدة لحب الشاعرين والاعتراف بقدرهما، وأعتقد أن هذه الحلقة ربما تكون الأكثر مشاهدة فى تاريخ البرامج الثقافية الحوارية فى مصر.
كان فاروق شوشة روحا جميلة بالمعنى الحقيقى يبحث عن كل جميل ويقدمه فى شعره وكتبه وبرامجه، وهو فى ذلك لا يسعى لصنع «مثالية» زائفة، أبدا، كان الأمر بمثابة اختيار له، فهو يعرف أن الثقافة الممتدة عبر التاريخ الإنسانى لها وجهان أحدهما متشائم يرى النهاية القريبة أمام ناظريه ويتعجب من كون الناس قادرة على الحياة، وهناك وجه آخر يعرفه أمثال فاروق شوشة هو الجانب المتفائل فى الحياة الذى يرى الجمال مندسا فى أعماق الكآبة، ويرى أن الثقافة مسؤولة بشكل كامل على جعل الإنسان «فى وضع نفسى أفضل».
رحم الله فاروق شوشة فقد أدى دوره كاملا بكل إخلاص وتفانٍ ورغبة فى صنع عالم أفضل.