"على امتداد الجبهة شمخت القواعد، كأهرامات صغيرة، ومنها انطلقت ألسنة اللهب تدفع الصواريخ لتحمى عبور قواتنا إلى الشرق، وتزود عن سمائنا الفسيحة المنبسطة الصافية"، هكذا وصف الكاتب جمال الغيطانى مشهد عبور قواتنا المسلحة فى حرب أكتوبر 1973، فى كتابه "المصريون والحرب – من صدمة يونيو إلى يقظة أكتوبر"، والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، فى ذكرى رحيل الكاتب الكبير.
فى الكتاب كلام كثير رصده جمال الغيطانى، والذى كان مراسلا حربيا فى تلك الفترة، عن مرارة ما بعد يونيو 1967، وما تعرض له المقاتل المصرى من حملة نفسية واسعة، وأطلق الغيطانى على القسم الأول من كتابه "البعث"، وذلك لكونه كان يرى أن "حرب الاستنزاف كانت بعثا لروح جديدة فى جنودنا، وفيه يحكى الكاتب عن بداية تعرفه على المقاتل المصرى فوق أرض الواقع، والتى يتغزل فيه المدينة الباسلة "بورسعيد" وعن لقاءه بجنودنا على جبهة أثناء فترة حرب الاستنزاف، وحياة جنودنا ورغبتهم العالية فى تحرير الأرض".
أما فى "الحياة مستمرة"، اختار الحديث عن أهالى مدينة السويس، وشجاعة أهلها خصوصا من قرر البقاء فيها لتكون "أرض المحى والممات" لهم، شارحا الوضع الذى كانوا يعانونه فى حياتهم حتى أنهم كانوا يطلقون أسامى على أصوات مدافع الجيش المصرى مثل "عنتر، الشيخ طه"، وكانوا يعرفون هجوم الطائرات حتى قبل سماع صافرات الإنزار، وأخذ الكاتب يسرد ذكرياته مع أهل المدينة، فتحدث عن عم حسن بائع الجرائد السودانى الأصل الذى زار العديد من بلدان العالم ومن قبلها فقد أبوه وأمه فى بلده، وقرر أن يكمل حياته فى السويس حتى بعد الحرب، ليبقى مع زوجته "عايده" والتى كان يطلق عليها "أم السويس" رغم صغر عمرها.
وفى "الطريق إلى أكتوبر" تحدث الغيطانى عن بداية الاستعداد لحرب العبور، وكانت البداية فى يوم 30 يونيو، عندما اسقطت أول طائرة من نوع الفانتوم الأمريكية بواسطة قوات الدفاع الجوى المصرى، والذى اتخذ من ذلك التاريخ فما بعد عيدا له، وتحدث عن الرغبة المصرية فى تحرير الأرض بداية من القيادة المصرية منذ عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وحتى أصغر ضابط فى صفوف الجيش، ويبدو فى الفصل تأثر الغيطانى فى بالحقبة الناصرية، وخصوصا مجانية التعليم.
ثم اقتحم بنا الكاتب الضفة الشرقية لقناة السويس فى فصله الرابع "الاقتحام"، التى ترصد معركة العبور بعين المقاتل المحارب المُكبر المنتصر وبدأ كتابته عن ملحمة العبور بنداء قائد الفرقة الثانية فى جنوده ظهر يوم السادس من أكتوبر: "يا رجال مصر، جاء اليوم الذى نهب فيه لتحرير أرضنا سيناء العربية، إن سيناء كانت وستبقى دائمًا مصرية قبل أن يخلق الله الدين اليهودي".
فى فصله الأخير "رسائل مقاتل من أعماق سيناء"، ترك الغيطانى رسائل المقاتلين فى صفوف الجيش المصرى، لتحكى عن إيمان أصحاب الملحمة الحقيقية، فعل أبرزها تلك الرسالة التى تقول"سأنقطع زمنا عن الكتابة، إننى أتاهب للقيام بمهمة قتالية ستستغرق وقتا ومنا.. أما الآن، وحتى أكتب لكم مرة أخرى، وحتى نلتقى، ادعوا لنا بالنصرة. وأذكرونا".
رحل الغيطانى وترك لنا سيرته مع أبطال ملحمة العبور، والتى أهدائها فى مطلع كتابه إلى من قال عنهم "من استشهدوا كى نبقى، وتبقى مصر".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة