يواجه الاتحاد الأوروبى تحدى غير مسبوق على صعيد العلاقات التجارية مع أقرب حلفاءه، على الجانب الآخر من الأطلسى حيث كندا والولايات المتحدة.
فقد شهدت العديد من العواصم الأوروبية فى الأسابيع الماضية احتجاجات عديدة ضد اتفاقيات التجارة الحرة التى يسعى الاتحاد الأوروبى لتوقيعها مع كلا من الولايات المتحدة وكندا، والمعروفة باسم اتفاق التجارة والاستثمار عبر الأطلسى TTIP والاتفاقية الاقتصادية والتجارية الشاملة بين كندا والاتحاد الأوروبى CETA .
ويرفض الأوروبيون هذه الاتفاقيات لأسباب عديدة، مؤكدين أنها تهدد معايير الانتاج وتحمى الشركات الكبيرة، بما يسمح للمؤسسات الضخمة مقاضاة الحكومات، وفى حين تم تجميد الحديث عن اتفاقية TTIP مع الولايات المتحدة، فإن الجدل المحتدم حاليًا يدور حول الإتفاقية مع كندا.
وبعد أسابيع من اجتماعات دول الاتحاد الأوروبى للتوافق حول الاتفاقية، حيث يشترط موافقة كافة الأعضاء، البالغ عددهم 28 دولة، ظلت بلجيكا معارض قوى للاتفاقية، حيث أعلن رئيس الوزراء البلجيكى شارل ميشيل، أن الاتفاقية لا تحظى بإجماع فى بلده، إذ تعارضها ثلاثة أقاليم ناطقة بالفرنسية بقيادة إقليم والونيا.
ومن ثم يكون إقليم والونيا، الذى يضم 3.5 مليون شخص، معرقلًا لاتفاق اقتصادى وتجارى شامل بين الاتحاد الأوروبى وكندا، ليظل بقية مواطنى الاتحاد الأوروبى الـ 500 مليون، رهينة للأقليم البلجيكى.
وتستهدف اتفاقية CETA، تسهيل تدفق السلع والاستثمارات بين كندا والاتحاد الأوروبى من خلال إلغاء الحواجز والرسوم التجارية، وينظر إليها باعتبارها مسودة للاتفاقية الأكبر والأهم بين الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة TTIP، والتى تواجه أيضًا معارضة متزايدة على جانبى الأطلسى وسط شكوك فى موافقة الكونجرس على الاتفاق.
ويرى مؤيدو اتفاقات التجارة الحرة أنها سوف تفتح المجال للمزيد من النمو، كما تضغط الأوساط الاقتصادية الألمانية بهذا الاتجاه، حيث أكد اتحاد الصناعة أنه لن يكون هناك بعد الآن رابحون وخاسرون.
لكن يبقى السؤال لماذا يرفض الكثير من المواطنين الأوروبيون هذه الصفقات؟.
يقول المعارضون لاتفاق التجارة والاستثمار عبر الأطلسى مع الولايات المتحدةTTIP ، أنه سوف يصب فقط فى صالح الشركات عابرة القوميات، إذ أنه يستهدف خفض الحواجز التنظيمية للتجارة ومن ثم يؤثر على أمور هامة مثل قانون سلامة الغذاء، والتشريعات البيئية واللوائح المصرفية والقوى السيادية للدول.
ووصف جون هيلارى، المدير التنفيذى لمجموعة حملة الحرب على العوز، فى تصريحات هذا الصيف للصحافة البريطانية الاتفاقية بأنها تمثل اعتداء على المجتمعات الأوروبية والولايات المتحدة من قبل الشركات عابرة القوميات.
ويمكن تصنيف التأثيرات التى يخشاها الأوروبيون لهذه الإتفاقية فى 6 قطاعات وهم:
قطاع الصحة: واحدة من الأهداف الرئيسية لTTIP هو فتح خدمات الصحة العامة والتعليم والمياه فى أوروبا أمام الشركات الأمريكية، وهذا قد يعنى خصخصة الخدمات الصحية الوطنية.
سلامة الغذاء والطعام: تسعى أهداف التقارب التنظيمى لـ TTIP إلى جعل معايير الاتحاد الأوروبى على سلامة الأغذية والبيئة أقرب إلى تلك التى تتبعها الولايات المتحدة، غير أنه بالنسبة الأوروبيين فإن لوائح الولايات المتحدة هى أقل صرامة بكثير، فبحسب تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت فإن 70 % من الأطعمة المصنعة التى تباع المتاجر الأمريكية تحتوى على مكونات معدلة وراثيًا، وعلى النقيض من ذلك، فإن الاتحاد الأوروبى لا يسمح تقريبًا بأى أغذية معدلة وراثيًا، وعلى سبيل المثال فإن الولايات المتحدة تفرض قيودًا أقل كثيرًا على استخدام المبيدات الحشرية، كما أنها تستخدم هرمونات النمو فى اللحم البقرى، بينما استخدامه فى أوروبا مقيد نظرًا لارتباطه بالسرطان.
تنظيمات تتعلق بالمصارف: سوف تزيل الاتفاقية القواعد المالية الصرامة التى كانت الولايات المتحدة نفسها قد فرضتها فى أعقاب الأزمة المالية للحد من صلاحيات المصرفيين وتجنب أزمة مماثلة.
الخصوصية: يعتقد أن الاتفاقية سوف تعمل على تخفيف قوانين خصوصية البيانات ومراقبو أنشطة الناس على الإنترنت.
الوظائف: أقر الاتحاد الأوروبى أن الاتفاقية من المحتمل أن تتسبب فى زيادة البطالة، حتى أنه نصح الدول الأغضاء بالاستفادة من أموال الدعم الأوروبية للتعويض عن البطالة المتوقعة.
الديمقراطية: تسمح الاتفاقية للشركات بمقاضاة الحكومات إذا كانت سياسات تلك الحكومات تسبب فى خسارة بالأرباح، وهو ما يعتبره المعارضون إملاء من تلك الشركات لسياساتها على الحكومات المنتخبة ديمقراطيًا.
وتنتطبق الكثير من هذه التأثيرات على الاتفاقية الاقتصادية والتجارية الشاملة بين كندا والاتحاد الأوروبى CETA ، فيما يتعلق بتأثيرها على التنظيمات المالية وحقوق العمال التى سوف تتعرض للتهديد وكذلك التأثير على القرار السيادى أو الديمقراطى.
لكن هناك جانب آخر يدفع الأوروبيون لرفض الاتفاقية وهو السماح لقطران الرمال النفطية، الوقود الأحفورى الأكثر خطرًا على البيئة، بالتدفق إلى أوروبا، ويتم إستخراج هذا النفط غالبًا من مقاطعة ألبرتا الكندية.