مشهد مؤتمر الشباب بشرم الشيخ لو كان فى دولة أوروبية لنال إعجاباً واهتماماً كبيراً
مشاركة كل أطياف الشباب، وبهذا الكم فى مؤتمر، وفى هذا التوقيت، أمر رائع، وفكرة جديرة بالاحترام، والمساندة والدعم. ونحن داعمون للحوار البناء والراقى والرصين على أرضية وطنية، بين جميع الأطياف السياسية، والفكرية، حول القضايا المهمة التى تواجه البلاد. ومن هذه القاعدة، استغل المناسبة، المبهجة والمدهشة، المنطلقة فى شرم الشيخ، للتأكيد على أن المعارضين «على كل لون يا باتيستا»، الذين رددوا هتاف يسقط يسقط حكم العسكر، وألصقوا اتهام المطبلاتية وعبيدى البيادة بالمختلفين معهم فى الرأى، هرولوا جريا ولهثا لقبول الدعوة الموجهة لهم بالمشاركة فى المؤتمر والظهور فى الصورة مع الرئيس السيسى وباقى رجالات الدولة، ونحن نراها أمرا عاديا، ولكن هم يرونها عكس ذلك.
خد عندك يا باشا، الدكتور أسامة الغزالى حرب، ابن الحزب الوطنى العتيد، ورجل جمال مبارك الأول الذى عينه مبارك عضوا بمجلس الشورى لمدة 12 عاما كاملة، تحول فجأة بعد الثورة وعلى «كبر» إلى ناشط وثائر ومعارض، لمجرد أنه لم يتم تعيينه رئيسا لتحرير جريدة الأهرام، وشدد معارضته، وكثف من إطلاق سهام نقده السامة، لنظام السيسى، للدرجة أنه شن هجوما على مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، ووصفها بالفنكوش. فجأة، رأيناه يجلس على «مسرح» إحدى ورش المؤتمر الوطنى للشباب، المنعقد حاليا فى شرم الشيخ، وجها لوجه مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، وكل رجال نظامه.
ونسأل أسامة الغزالى حرب، هل «يفرمط» مكينة أفكاره، ويتوقف عن اتهام المدافعين عن الدولة بالمطبلاتية، وملاحقتهم بتحريك الدعاوى القضائية ضدهم، خاصة أنه وبمجرد أن توجه له الدولة دعوة للمشاركة فى إحدى فعالياتها، يهرول لاهثاً مشاركاً بكل قوة وفاعلية، بينما يرفض الكاتب الكبير الأستاذ محمود الكردوسى، المشاركة بالرغم من تلقيه نفس الدعوة، لأنه لا يحب الظهور، ولا يعنيه إلا مصلحة الوطن، مع العلم أن أسامة الغزالى وابن شقيقه الناشط الثورى الهمام، ورفاقهما، يتهمون الكردوسى بالمطبلاتى، إلى آخر هذه الديباجة الخايبة والتافهة؟!
أيضا الأستاذ إبراهيم عيسى، أشهر متناقض مع نفسه شهدته مصر عبر تاريخها، شن حملة ضارية ضد المؤتمر واعتبره سفها وإعادة للحزب الوطنى القديم، وإسرافا لا معنى له فى ظل أزمة اقتصادية، وكال كل أنواع الاتهامات للمشاركين والمؤيدين للنظام واتهمهم بالمطبلاتية، وفجأة يظهر إبراهيم عيسى فى المؤتمر، مشاركا بفعالية. والسؤال للإستاذ إبراهيم، هل مؤتمر الشباب أصبح فجأة مؤتمرا لا يعيد للأذهان مؤتمرات الحزب الوطنى؟ وكيف تقبل المشاركة فى مؤتمر اتهمت المشاركين فيه بأنهم مطبلاتية، فهل إذن أنت مطبلاتى؟ وكيف تقبل المشاركة فى مؤتمر نفقاته باهظة، مع العلم أن الدولة لم تنفق مليما واحدا، وكنت تهاجمه بضراوة واعتباره إسرافا لا محل له من الإعراب؟
أما محمد عبد العزيز، فحكايته حكاية، فبعد أن كان عضوا فى حركة تمرد، ثم هجرها، وأعلن تأييده الكامل لحمدين صباحى فى الانتخابات الرئاسية الماضية، وهاجم السيسى بضراوة، ولم يترك شاردة أو واردة فى هذا الوطن لم يهاجمها بكل قوة، وتبنى سياسة تشويه داعمى الدولة، وليس النظام، واتهمهم بالمطبلاتية، فجأة ظهر على مسرح مؤتمر الشباب، يعظ، ويسدى النصائح، وكأنه سياسى عتيد باسم الله عليه!! نسى محمد عبدالعزيز، بمجرد توجيه الدعوة له، كل معارضته عمال على بطال، واتهام المخالفين له فى الرأى بالمطبلاتية، وسارع بالمشاركة ممسكا «طبلة ورق» ولم ينقصه إلا أن «يحزم وسطه»، ليقدم وصلة رقص وغناء على مسرح المؤتمر. هؤلاء الثلاثة، حرب وعيسى وعبدالعزيز، نماذج للمعارضة العجيبة، والغريبة، لمجرد المعارضة والسير عكس اتجاه الدولة المتصادمة مع مصالحهم الشخصية.
ونحن هنا، ومن خلال هذا الطرح، نريد أن نبرز حال المعارضة فى مصر، معارضة من أجل المعارضة فقط، معارضة تغلب مصالحها الشخصية فوق مصلحة الوطن، ولا تراعى التهديدات والمخاطر التى تواجه البلاد، بل يسفهون ويسخفون منها بشطط فى القول عجيب ومذهل.
معارضة تهدم ولا تبنى وتغرد خارج السرب وتشخصن القضايا والخلافات ولا ترتقى فوق الأحداث الخطيرة، فهل يكون مؤتمر الشباب نقطة انطلاقة حقيقية نحو مراجعة فكرية شاملة، قوامها إبعاد الشخصنة فى الخلافات حول القضايا الوطنية، والالتفاف حول راية الوطن بكل قوة فى حالات الخطر؟
تبقى كلمة مهمة، أن مؤتمر الشباب كان رائعا، ودشن لأمر لافت ورائع، وهو أن رئيس دولة، يتهمونه بأنه «عسكرى»، يجلس مستمعا لكل الآراء، فى مناظرة شعبية رائعة، تضاهى المناظرات الشعبية فى أعتى الدول الديمقراطية.