وكأن الطبيعة تغضب حينما تعطيك هدية ربانية فتبددها ولا تستغلها، فتتحول هذه النعمة إلى نقمة تهدم وتجرف وتخرب وتقتل، هذا هو فعل الإهمال فى الموارد الطبيعية، العشوائية فى الإدارة، والكسل عن توقع الأزمة، واسترخاص النفس الإنسانية وهبات الطبيعة إلينا، فكان طبيعيا أن تتحول المناسبات السعيدة إلى مآتم، لأن «بيت المهمل يخرب قبل بيت الظالم».
فى تقديرات بعض الخبراء فإن مياه الأمطار فى مصر تعادل حصة مصر فى نهر النيل، غير أننا نهدر الكثير من حصتنا فى مياه النيل، ونهدر كل حصتنا فى مياه الأمطار، ثم نجلس ونعد الخسائر خسارة بعد خسارة، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يصل فى كثير من الأحيان إلى إضافة تكلفة كبيرة لإصلاح ما أفسدته الأمطار والسيول، لندفع مئات الملايين فيما كان يمكن أن ننتفع بمئات الملايين.
فى البحر الأحمر وفى سيناء والصعيد والإسكندرية والبحيرة، أسماء لمحافظات شهدت كوارث موسمية بسبب مياه الأمطار، بعضها تسبب فى إقالة محافظين، وبعضها تسبب فى إزهاق أرواح بشر، وكلها تسببت فى تكلفة الموازنة العامة للدولة مئات الملايين، وللأسف فقد رأيت ما تتكلفه الدولة كل عام من جراء هذه الأزمات الغبية حينما كنت أعمل فى سيناء فى الفترة من 2003 وحتى 2008 كمفتش آثار بمنطقة آثار سانت كاترين، فقد كنا فى كل عام نعانى من قطع السيول للطريق، وبعد انتهاء فترة السيول كنا نعانى أيضا لعدة أشهر من تدمير أسفلت الطريق لعشرات الكيلومترات، وكانت الدولة تعيد تجهير الطريق فى منتصف الصيف حتى تنتهى منه فى أوائل الخريف، سرعان ما تأتى السيول مرة أخرى لتدمر الطريق، وهكذا كل عام، ولو حسبنا الأموال المدفوعة فى إعادة إنشاء الطريق فى سنتين فحسب فسنجد أنها ربما تكون كافية لعمل مخرات للسيول وخزانات لحفظ المياه لنستفيد منها فى الزراعة والشرب وكافة المآرب الأخرى، لكننا للأسف نظل «نرقع» فى الثوب المهترئ غير مدركين أن شراء ثوب جديد أوفر وأجدى وأكثر إفادة للجميع.
الآن تقتل السيول المصريين فى محافظاتنا الغالية، ولابد أن تتبنى الدولة مشروعا قوميا للحفاظ على هذه المياه التى لم تفكر فى الاستفادة منها أى حكومة على مدار التاريخ المصرى، فقليل من الاستثمارات تحمى وتفيد وتعود بالنفع على مصر والمصريين، أما الإهمال فلا يورث إلا الخزى والعار والدمار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة