تعودت أن أنعزل دائما عن حالة الصخب التى تنفجر خلال وبعد أى فعالية تنظمها السلطة، هروباً من الجدل غير المُجدى الذى يصل إلى حد الاتهامات، فمن السهل أن تدون الآن عشرات الملاحظات على المؤتمر الوطنى الأول للشباب المنعقد فى شرم الشيخ، وبمقدورك أيضاً أن تعثر أو تقص أى لقطة فيديو صغيرة من ساعات بثتها جميع قنوات التلفزيون لتهاجم المؤتمر، دون أن توضح لنفسك أن بثها فى حد ذاته له دلالات جيدة.
لا شك أن حق النقد مكفول للجميع كما هو مكفول لى فى السطور القادمة، لكن حينما يكون نقداً موضوعياً بناءً ليس لأنك تعودت أن تقول "لأ"، فلا يصح أبداً أن نتعامل مع الأشياء من منطلق "حبيبك يبلعلك الظلط وعدوك يتمنالك الغلط"، فلا نحن بإمكاننا أن "نبلع ظلط السلطة" ولا نحن أعداء نتمنى لها الأخطاء، ذلك إن كنا نريد تأسيس مبدأ سليم فى الاختلاف.
أنا هنا لا أدافع عن المؤتمر أو منظميه، لكن أريد وضع ومضات صغيرة أمام كل الأطراف مفادها مراجعة منهج اختلافنا، على سبيل المثال، كيف لبعض نشطاء "السوشيال ميديا" أن يحتفوا بشباب انتقدوا الرئيس بندية شديدة خلال المؤتمر، ثم بعدها بلحظات قليلة يسبون المؤتمر، الشىء ونقيضة فى ذلك الوقت، وكأنهم يريدون أن يبعثوا برسالة "الشباب كويسين، إنما المؤتمر وحش، آه هو كده" !.
وكيف وصلنا إلى أن نصادر على بعضنا فى حق المشاركة بالأساس، فإذا أصبح لدى مجموعة كبيرة من الشباب فرصة لمناقشة النظام ورئيسه وجهاً لوجه، وطرح رؤيتهم دون قيود مع وجود إمكانية لتفيذ تلك الرؤية، إذن ما العيب، هل نسينا سخرية النظام المخلوع من فكرة الحوار مع المعارضين أصلاً، هل نسينا "رد انت يا حسين"، هل نسينا "يا راجل كبر مخك" !.
صحيح كنت أتمنى أن أجد تمثيلا أكبر للمعارضة، لكن وجدت إبراهيم عيسى وخالد يوسف ومحمد عبد العزيز وأحمد عيد وحسن شاهين وأسامة الغزالى حرب وعشرات من شباب الأحزاب المُعارضة، وجدت إبراهيم الجارحى يختلف مع أستاذه إبراهيم عيسى، ومكرم محمد أحمد يختلف مع تلميذه إبراهيم عيسى، أى أن هناك رموزا لأجيال متنوعة تختلف أمام رأس الدولة.
وجدت مجموعة من الخبراء الذين يؤكدون لنا فى مقالاتهم ومداخلاتهم أن "الحكومة ما بتسمعش إلا اللى هى عاوزاه"، متقدمين الصفوف الأولى فى المؤتمر وورش العمل، يختلفون مع الوزراء بأريحية شديدة والشباب يتدخل لفض الاشتباك، وجدت شاب يقول لرئيس الدولة "عندى شك إنى ممكن آجى هنا تانى"، على خلفية اختياره هو وغيره بعشوائية شديدة، بعد تسجيلهم فى موقع البرنامج الرئاسى.
وجدت الرئيس يرد عليه بأن ذلك المؤتمر سيكون دورياً حتى لا يظن البعض بأنها "لقطة وهتعدى"، وجدتنى فى أحد ورش العمل وسط شاب من حلايب وشاب آخر من البحيرة، وجدت شابا آخر يهمس لى فى أحد المؤتمرات "اللى بيقوله الرئيس فى النقطة دى غلط، أنا عاوز أتكلم"، ثم يرفع يده ويتكلم، ويرد الرئيس "أنا متفق معاك".
أريد أن أقول، السلطة لديها أخطاء؟، نعم، السلطة لم ترتب أولوياتها بعد فى ملفات مهمة؟، نعم، لكن لابد أن نفرق بين انتقاد السلطة أو الإشادة بها فى كل ملف على حده، وبين التعامل معها بمنطق "انتوا حلوين مهما عملتوا"، أو "انتوا وحشين مهما عملتوا"، لأن أبجديات الفهم تقول أن نجاحهم أو فشلهم يعود بشكل ضمنى على الدولة وشعبها.
فى النهاية، أريد أن أسجل عددا من الملاحظات على التوصيات الجيدة التى خرج بها المؤتمر، حتى لا يتحول مكسب المؤتمر إلى خسارة، وقبل أن يوهم البعض نفسه بأن "الموضوع خلص خلاص"، فعلى الدولة الآن بجميع مؤسساتها، أن تحول فكرة المؤتمر إلى منهج، لابد أن نرى قريباً "المؤتمر الوطنى الأول للشباب برعاية وزراة الشباب"، ووزارة التعليم والتعليم والعالى والتموين، وغيرهم، لابد أن يخرج المتحدثون باسم الوزارات الآن فى بيانات رسمية، يعلنون خطة واضحة بآلية تنفيذ توصيات المؤتمر.
لابد أن نفض الجدل الدائر بين مجلس الدولة ومجلس الوزراء لإصدار قانون تنظيم الإعلام، لابد أن تنتهى وزارة الشئون القانونية من إعداد تعديلات قانون التظاهر فى أسرع وقت، لإنها ليست المرة الأولى الذى يطالب فيها الرئيس بإجراء تعديلات عليه، ولابد أن يعقد عدد من الوزارات المعنية بالتعليم مؤتمراً، يشرحون فيه آلية تنفيذ توصية إصلاح التعليم، هناك "مدرس ومنشأة ومنهج"، اشرحوا لنا بالتفصيل كيف يمكن الانتقال بتلك المنظومة إلى وضع يليق بحماس الرئيس بالمؤتمر، ذلك إذا كنتم لا تريدون أن تحرجوا الرئيس.
ولابد أيضاً أن أبدأ بنفسى وأن يبدأ جميع الشباب فى توسيع دوائر المعرفة، لأننى لاحظت أن المشكلة لن تكون فى الوصول إلى حوار لشباب مع رئيس الدولة، لكن ستكون فى "الشباب هيقول إيه لو قابل الرئيس".
مصر من وراء القصد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة