من الأشياء التى تعجبنى فى بلاد الغرب، أنهم يعرفون أن الثقافة قوة، لذا يحرصون عليها، شعوبا وحكومات، فتجد رؤساء الدول مثلا يهتمون بإظهار علاقتهم القوية بالفن والشعر والرواية، يحدثونك عن الكتاب الكبار الذين شكلوا وجدانهم ومنحوهم القدرة على الحلم طوال حياتهم.
من المعروف لنا أن البيت الأبيض يعلن قبل إجازة أوباما السنوية أسماء الكتب التى سوف يقرأها الرئيس فى إجازته، وها هو الرئيس الروسى بوتين يفعل ما هو أكثر من ذلك، ففى أثناء عيد المعلم الروسى التقى الرئيس ممثلين عن المعلمين الروس لتكريم «معلم العام 2016»، وتحدث عن حبه الشديد وإعجابه الكبير بالأديب الروسى ميخائيل ليرمونتوف، ولمن لا يعلم فإن هذا الشاعر كان معارضا كبيرا تحمل الكثير نظير مواقفه الأدبية والسياسية.
وكانت البداية عندما سأل الصحفيون «بوتين» عن نوعية الكتب، التى يقرأها، فرد عليهم «أقرأ الكثير حتى إننى أقرأ ما لا أحب، لكن من بين الأشياء التى أحبها أعمال ليرمونتوف، وهى موجودة بشكل دائم على مكتبى، لأنها تساعدنى على إمعان التفكير فى شىء ما، تساعدنى على الدخول فى عالم آخر، عالم مفيد وجميل وممتع».
ولم ينته الأمر عند ذلك، فقد عرض بوتين على مدرس للغة الروسية يدعى «أندرى باراشيف» أن يقرأ أبياتا من شعر ليرمونتوف وراءه، حيث ابتدأ بـ«أحب الوطن، لكن حبى له غريب». وتحدث الرئيس الروسى عن الشاعر قائلا: «ليرمونتوف» شاعر عبقرى، لكنه «منشق» إلى حد ما، تعامل مع وطنه بطريقة نقدية.
ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى يتحدث فيها بوتين عن حبه لأعمال ليرمونتوف، ففى عام 2014 وخلال مؤتمر صحفى كبير، وصف بوتين ليرمونتوف بأنه شاعر معارض، لكنه بالرغم من ذلك شخص وطنى، وقرأ بوتين حينها مقطعا من إحدى قصائد الأديب الروسى المشهور.
`ومن جانبنا نقول بعيدا عن عيد المعلم، الذى لا نسمع عنه فى بلادنا، ولعلكم تذكرون الـ30 جنيها التى حصل عليها المدرس المثالى هذا العام فى محافظة الشرقية، وتمثلت فى شهادة استثمار يمكنه التصرف فيها بعد 20 سنة، دعونا نركز فى العلاقة بين الرئيس والشاعر، فالحديث عن الثقافة بهذا الشكل المباشر، حتما سيدفع كثيرا من الشباب والنشء للبحث عن اسم هذا الشاعر الذى أعجب به رئيسهم، والذى عاش فى الفترة بين 1814 و1841، وسيقرأون أشعاره وروايته الخالدة «بطل من هذا الزمان» وقصيدته التى تسببت فى نفيه «موت شاعر» والتى كتبها بعد مقتل الشاعر «بوشكين» فى مبارزة فى روسيا، وحتما سوف يكتشفون جمال الشعر والسرد، وسيعرفون أن الثقافة «قوة» تمتد على طول الزمن وتجبر الجميع حتى الساسة على الاعتراف بها وتقديرها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة