فى كتب التراث تتردد مقولة «الشعر ديوان العرب»، وهذه الجملة تعنى أن الشاعر كان دوره متطورا جدا فيسجل أيام الناس وأخبارهم وحروبهم وانتصاراتهم وهزائمهم، أى أنه كان بمثابة الإعلامى بالنسبة لقومه، لدرجة أن كثيرا من الحوادث الكبرى فى تاريخ العرب تم الاعتماد على النصوص الشعرية فى توثيقها، وظل هذا الأمر مستمرا بشكل ما حتى جاء العصر الحديث، ليقول لك إن الإعلامى والمثقف لم يعودا شيئا واحدا.
وأصبحنا، الآن بكل سهولة، نتحدث عن تدهور ثقافى فى الإعلام، للدرجة التى لا نستطيع أن نلم بوجوه هذا التدهور أو نرصدها جميعا، ومن ذلك أنه مع الانفجار التليفزيونى وظهور قنوات ما أنزل الله بها من سلطان أصبحت مقومات اختيار الإعلامى، ترتبط بمقاييس أخرى بعيدا عن الثقافة والوعى وهى المظهرية والقدرة على الكلام لمدة 5ساعات دون توقف، مما أدى لحدوث خلل كبير فى كل من الإعلام والثقافة.
من أوجه التدهور أيضا غياب البرامج الثقافية تماما من القنوات، بل نكاد نقول إن كل القنوات الخاصة لا تقدم أى شىء له صبغة ثقافية، ويبررون ذلك بأن هذا النوع من البرامج لا يحقق نسبة إعلانات، وربما يكونون محقين فى ذلك، لكن عليهم، أصحاب هذه القنوات، أن يعترفوا بأنهم هم من صنعوا هذه الأزمة، بإصرارهم الدائم بالبحث عن «الشو»، وعدم التوقف أمام الأشياء التى تصنع وعى الناس.
كما أن معظم البرامج أصبحت تخاطب اليومى والحالى وتقطع علاقتها تماما بالتاريخ، وهنا تكمن الخطورة، لأن الذى لا يعرف التاريخ لن يكون قادرا على وضع حلول لمستقبله، وأكبر دليل على ذلك هو غياب الدراما التاريخية فى مصر، فمنذ سنوات تراجع المنتجون على تقديم أى عمل تاريخى يعيد حكاية ظروف مرت بها مصر، ويرون فى ذلك تكلفة إنتاجية عالية، لدرجة أن حربا عظيمة مثل أكتوبر 1973 لم تقدم فى السينما أو التليفزيون بالشكل الذى يليق بها.
من جانب آخر فإن القنوات المتخصصة بالثقافة فقيرة جدا ولا تعرف كيف تطور نفسها، ورغم قيام قناة النيل الثقافية بتوقيع بروتوكول تعاون مع الثقافة لنقل الاحتفالات والفعاليات والمهرجانات التى تنظمها الوزارة، لكننا لا نرى أثرا واضحا لذلك كان القائمون عليها غير مقتنعين بهذا الأمر وغير مشجعين له. وفى النهاية نقول أصبح التليفزيون الآن «هو ديوان الناس» يحكى واقعهم ومستقبلهم ويقرأ تاريخهم، وصار الناس يستقون معلوماتهم منه، ولم تم تقديم مادة ثقافة حقيقية لهم تسعى لإفادتهم ولا تزيف وعيهم، ولو تم تقديم إعلامى مثقف يعرف تاريخ الفكرة التى يتحدث عنها، ويعرف احتمالاتها المستقبلية فإن الناس لن ترفض ذلك بل سترحب به.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة