عاش نجيب سرور حياة قصيرة «1932-1978»، لكنها متوهجة بالإبداع، مسرحيًا وشاعرًا، والاحتفاء به مسألة تستحق كل التقدير والتحية، كما فعلت جريدة «مسرحنا» التى يرأس تحريرها الصديق الناقد محمد الروبى فى عددها الأخير.
نجيب سرور هو المبدع الذى عاش واحدة من أعجب المآسى، وقصته مع مرضه النفسى الذى تعرض له فى سنواته الأخيرة معروفة، غير أن تفسير أسبابها مازالت محل جدل، فهناك من يعيدها إلى مأساة زواجه من ممثلة هجاها فى قصيدته الشهيرة «أميات»، وهناك من يرى أن الأمر أكبر من ذلك، غير أن الحاصل كما يقول الدكتور أحمد الخميسى عنه فى مقاله «الأدب الروسى فى عالم نجيب سرور»: «عصفت المخاوف والهواجس بنفس الفنان الحساسة وتكالبت عليه، وبرز فى روحه يأس يلطم موهبته ويخلخلها، ويسوقه لعدم الإيمان بأى قيمة»، أما المخرج المسرحى المحترم إيمان الصيرفى فيكتب بقلبه عن «الأستاذ كما عرفته»، كاشفًا عن تجربة عاشها معه وهو فى الثامنة عشرة من عمره، حينما كان «إيمان» فى منظمة الشباب بالإسكندرية، ويتميز بين زملائه بشغفه بالمسرح وحفظه لمقاطع من نصوص «آه يا ليل يا قمر»، و«ياسين وبهية» لنجيب سرور، وفى الوقت الذى كان يتردد فيه على مسرح مستشفى النبوى المهندس بالمعمورة للأمراض النفسية والعصبية لإجراء البروفات بعد دخول المرضى إلى النوم، فاجأه أحد زملائه بإخباره بأن نجيب سرور موجود فى المستشفى كمريض يتلقى العلاج، ومن هنا بدأ اللقاء الذى كان علامة فارقة فى حياة «الصيرفى» ومستقبله: «لم يكن مجنونًا، ولكنه احتمى بالجنون ليتمكن من قول أو فعل أى شىء، وليس عليه حرج».
يقدم الملف دراسة مدهشة كتبها «نجيب» بعنوان «تخطيطات فى المسرح المصرى»، ونشرها بمجلة «الآداب» البيروتية عام 1957، وهى تسلط الضوء على تاريخ المسرح المصرى، ويكتب أشرف الصباغ عن «نجيب..عملتنا الوطنية ورأسمالنا الرمزى»، مشيرًا إلى تعرض نجيب لأحط أنواع الخيانات والتنكيل من كل الجهات، بما فيها مجموعات معينة من مثقفى اليسار وساساته، فى مقابل طرح عملات رديئة منهم، كما يقدم الملف قراءة أكاديمية فى مسرح نجيب سرور لـ«أبوالحسن سلام»، وحوارًا مع المخرج مراد منير، ويبقى مقال «نجيب سرور بين الواقع المرفوض والمثال المستحيل» لـ«أبوبكر يوسف» أيقونة الملف، لأن كاتبه كان صديقه، ومن هذا الموقع يقدمه كمبدع وإنسان «عاش حياة الصراع فى نفسية الشاعر بين الواقع المرفوض والمثال المستحيل».