عمرو خالد

كيف تعيش بالرحمة؟

الثلاثاء، 15 نوفمبر 2016 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا ما أردت أن تغمرك رحمة الله.. تعامل بالرحمة مع من حولك وأولهم أهلك
 
الراحمون يرحمهم الراحمون، من الرحم اشتقت الرحمة، الله هو الرحيم، رسالة الإسلام هدفها الأسمى وغايتها العظمى «الرحمة»، من أجلها أرسل الخالق نبينا إلى الناس كافة.. «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين»، فكان أهلاً لتلك المهمة العظيمة وحمل الأمانة المرسلة من السماء إلى الأرض: «إنما بعثت رحمة»، «إنما أنا رحمة مهداة»، ولم يكن لينجح فى إيصال رسالته إلا لكونه يملك قلبًا رحيمًا.. فقال الله عنه: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ..».
 
«إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمم».. خلقهم ليرحمهم.. هذا هو المقصد والغاية.. اسم الله الرحيم، هو الاسم الأكثر ورودًا فى القرآن.. آخر كلمة نختم بها صلاتنا: ورحمة الله.. ونحن بدورنا مسؤولون عن تحريك رحمة الله على الأرض، فأمة محمد ليس دورها تأجيج الصراع، لكن دورها إخماد الصراع بالرحمة. والرحمة هى العنوان العريض فى القرآن.. «كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ»، «وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىءٍ»، كل المعانى والقيم وسعتها رحمة الله، فى رسالة لكل المتشددين، بأن ما تفعلونه ليس الإسلام مهما كنتم متدينين.
 
الأقربون أولى بالرحمة: إذا ما أردت أن تغمرك رحمة الله.. عش بالرحمة.. تعامل بالرحمة مع من حولك، ولن تجد من هو أكثر استحقاقًا للرحمة والشفقة من أهلك.. أمك.. أبيك.. زوجتك.. أولادك.. والشفقة هى حب مغلف بخوف على من تحب.. حب + خوف عليه = شفقة. سورة «الطور» جسدت هذه الشفقة، وأثرها فى رحمة الله بالجنة.. عندما عرضت كل أنواع النعيم فى الجنة.. وفى نهاية وصف الجنة بعد أن دخلوها.. «فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ».. ما الذى أدخلنا الجنة؟.. «قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ».. الشفقة بالأهل طريقك إلى الجنة. 
 
وثانى مستوى للرحمة هو الرحمة بالعائلة والأقارب.. عن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله عز وجل: أنا الرحمن وأنا خلقت الرحم، واشتققت لها من اسمى، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بَتَتُّه»، والرحمة تكون مع كل الناس: الفقراء والمحتاجين، مع الخدم، مع المساكين، مع إنسان كسرت خاطره، مع إنسان جبرت خاطره.
عيسى «الحب» ومحمد «الرحمة»: عنوان المسيحية الحب، وعنوان الإسلام الرحمة، وكأن الله أراد أن تكون آخر رسالتين من السماء للأرض هما: الحب والرحمة.. من أجل ذلك كان الزوج والزوجة «وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً»، والرحمة معناها أشمل، وأوسع من الحب. والرحمة تكون لمن تحب ولمن لاتحب، فعندما رأى عمر بن الخطاب يهوديًا عجوزًا يتسول فى المدينة سأله عن الذى أوصله إلى هذا الحال؟ فقال العجوز: أدفع الجزية.. بكى عمر وأمر بالعطاء للعجائز والفقراء من بيت المال، رحمة للعالمين وليس للمسلمين فقط. عنوان ديننا الرحمة، إذا وجد أفعالك ممتلئة بالرحمة وليس بالقسوة والعنف، فاعلم أنك قريب من الله ورسوله.
 
رحمة ساكنة ورحمة متحركة: والرحمة نوعان فى خلق الله: رحمة ساكنة ورحمة متحركة.. ومن النوع الأول: الشمس والقمر والمطر، فهى رحمات لكنها ساكنة صامتة لا تنطق لا تتكلم لا تعبر.. الرحمة الوحيدة المتحركة هى أنت أيها الإنسان.. من أجل هذا النبى قال «أنا رحمة»، فأنت دال على رحمة الله فى الكون بشكل متحرك.. أنت تجسيد لرحمة الله فى أرضه.. هذا هو دورك: حرك الرحمة لا تتركها ساكنة. يقول النبى صلى الله عليه وسلم: «جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين وأنزل فى الأرض جزًا واحدًا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه».
 
قصة الشيخ الفضالى: قبل أكثر من مائة عام، كان هناك قصة شهيرة للشيخ الفضالى، وهو رأس التيار الأزهرى المستنير مع «الحمّارين»، كانت مشكلة عصره الجهل الشديد بالدين وبالعلوم، فأدرك المشكلة وبدأ يحلها. كان الشيخ يسكن فى «حى المنيل»، ويستخدم الحمار للوصول إلى الأزهر يوميًا قبل أن تخترع السيارات، وكان الشيخ عندما يركب مع الحمّار يسأله: ما معنى كلمة «فقه»؟ فيرد الرجل: لا أعرف، فيقول له الشيخ: «هيا بنا نعرف الوضوء، وانتظر هنا حتى أعود معك». وفى اليوم الثانى يسأل الشيخ الرجل عن جدول الضرب، حتى إنه وضع جدولاً للحمارين، يركب كل يومين مع نفس الحمّار، حتى يدور الفقه والحساب على كل الحمارين، بدلاً من أن ينام هو أو يسرح فى الطريق استطاع أن يحل مشكلة الحمارين.. فمات الشيخ الفضالى وقد أصبح الحمارون يتكلمون فى الفقه والحساب مثل الأزهريين، وما قام به ليس عملاً دينيّاً فقط، وإنما هى الرحمة المتحركة.

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة