تظل القضية الفلسطينية فى قلب كل عربى ومسلم ووجدانه، ومنذ توقيع اتفاق السلام المصرى الإسرئيلى، والقاعدة الأساسية أن الولايات المتحدة تملك أكثر من 90% من خيوط عملية السلام العربى الإسرائيلى، وفى القلب منه فلسطين المحتلة، لذلك فهناك اهتمام فلسطينى إسرائيلى أيضًا بالرئيس الأمريكى الجديد، دونالد ترامب، خاصة أن تصريحاته خلال حملته الانتخابية فهمها كل طرف على حسب هواه ورؤيته.
ترامب سبق أن التقى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى نيويورك سبتمبر الماضى على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وخلال اللقاء دافع ترامب عن فكرة الاعتراف بالقدس عاصمة «موحدة» لإسرائيل، ما يشكل تناقضًا مع السياسة الأمريكية التقليدية، كما تعهد بالعمل من أجل «سلام عادل ودائم» بين إسرائيل والفلسطينيين، «يتم التفاوض عليه بين الطرفين»، لأن أى اتفاق سلام «يجب أن يتم التفاوض عليه بين الطرفين، وألا يفرض عليهما من قبل الآخرين».
بناء على هذه التصريحات سعدت إسرائيل بانتخاب ترامب، واعتبروه «صديقًا حقيقيًا لدولة إسرائيل»، كما قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذى يحاول الآن تعويض سنوات الجفاء مع باراك أوباما، خاصة على خلفية مُضى إسرائيل بمشروع الاستيطان فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، والخلاف حول نتائج الاتفاق الذى توصلت إليه الولايات المتحدة والقوى الكبرى مع إيران حول البرنامج النووى الإيرانى، لذلك يأمل الإسرائيليون أن يكون ترامب بداية لـ«تعزيز التحالف الفريد من نوعه القائم بين إسرائيل والولايات المتحدة»، وتعويض الفترة الماضية.
وهناك وزراء إسرائيليون كانوا أكثر تفاؤلًا بترامب من نتنياهو، من بينهم وزير التعليم الإسرائيلى، نفتالى بينيت، الذى يتزعم حزب «البيت اليهودى» المتشدد، بقوله «إن فوز ترامب يشكل فرصة لإسرائيل للتخلى فورًا عن فكرة إقامة دولة فلسطينية.. هذا هو موقف الرئيس المنتخب..انتهى عهد الدولة الفلسطينية».
الفلسطينيون تلقوا إشارات ترامب بحذر شديد، وهو ما ظهر من تصريحاتهم التى اعتبرت فوزه «شأنًا أمريكيًا»، انتظارًا على ما يبدو لظهور ملامح أساسية من جانب ترامب، بدلاً من تصريحاته خلال حملته الانتخابية، فقد اكتفى رئيس السلطة محمود عباس بتهنئة الرئيس الأمريكى، و«أعرب عن أمله بأن يتحقق السلام فى عهده»، فيما قال المتحدث باسم الرئاسة نبيل أبوردينة: «نحن جاهزون للتعامل مع الرئيس الأمريكى المنتخب على قاعدة الالتزام بحل الدولتين، وإقامة دولة فلسطين على حدود 1967».
إذًا، نحن أمام ترقب فلسطينى عربى أيضًا تجاه مواقف ترامب تجاه القضية الفلسطينية، فى مقابل محاولة إسرائيلية لاستمالة الرئيس الأمريكى الجديد فى جانبهم، لكن يبقى الأمر معلقًا على انتهاء ترامب من اختيار فريق عمله بالكامل، حتى نستطيع تحديد أى استراتيجية سيختارها، وربما يظهر تعاون أمريكى روسى فى اتجاه بلورة فكرة معينة يتم التوافق بشأنها لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، انطلاقًا من الدعوة الروسية للجانبين الفلسطينيى والإسرائيلى للاجتماع فى موسكو لإنهاء حالة الجمود التى ضربت عملية السلام السنوات الماضية، فقد ينتظر ترامب إلى حين أن تتضح رؤية الجانبين من الدعوة الروسية، خاصة بعدما رفضت إسرائيل المبادرة الفرنسية، وهو ما أدى إلى وأد المبادرة فى مهدها، رغم الترحيب العربى الفلسطينى بها.
وقد يلجأ ترامب إلى التشاور مع مصر والأردن فى سبيل بلورة تصور نهائى خاص بالقضية الفلسطينية، أخذًا فى الاعتبار أن الرئيس الأمريكى فى تصريحاته السابقة كان يعول على مصر والأردن فى حل مشاكل المنطقة، باعتبارهما من دول الاعتدال والاتزان فى الشرق الأوسط، وهنا تظهر أمام ترامب المبادرة المصرية المتكاملة التى تحاول وضع حلول لكل المشاكل، سواء المتعلقة بالوضع الفلسطينى الداخلى، أو انطلاق مفاوضات نهائية بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى.
كل ذلك يشير إلى أن ترامب سيأخذ وقتًا قبل أن يعلن موقفه النهائى تجاه القضية الفلسطينية، وأن هذا الموقف سيكون مرتبطًا بالمشاورات التى سيجريها ترامب مع دول المنطقة، وعلى رأسها مصر والأردن، فضلًا عن الحوار الثنائى الروسى الأمريكى.