«دونالد ترامب ليس إيديولوجيا بل براغماتيا، وسيكون من الصعب عليه التخلى عن اتفاق المناخ والاتفاق النووى مع إيران»، تلك كانت الرسالة التى حاول من خلالها الرئيس الأمريكى الحالى باراك أوباما طمأنة الجميع بأن الاتفاق النووى الذى أبرمته الدول الست الكبرى مع إيران باق، وأن ما قاله ترامب خلال حملته الانتخابية بأنه سيمزق هذا الاتفاق حال وصوله للبيت الأبيض، مجرد حديث انتخابى لا علاقة له بالسياسة المستقبلية للرئيس ترامب.
يعتبر الاتفاق التاريخى حول الملف النووى الإيرانى من أهم إنجازات باراك أوباما، وقد وقع فى فيينا فى الرابع عشر من يوليو 2015، ودخل حيز التنفيذ فى السادس عشر من يناير الماضى بعد 18 شهرا من المفاوضات السرية بين واشنطن وطهران خلال العامين 2012 و2013، وبعد عامين آخرين من المفاوضات الرسمية بين إيران ومجموعة القوى الكبرى الست «الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا»، وتوج هذا الاتفاق الدولى بقرار صادر عن مجلس الأمن، وهو يضمن الطبيعة السلمية لبرنامج إيران النووى مقابل رفح العقوبات الاقتصادية عنها بشكل تدريجى.
لكن هذا الاتفاق يخضع الآن لنقاش موسع، انتظاراً لموقف الرئيس الأمريكى الجديد تجاهه، خاصة أن ترامب خلال حملته الانتخابية شن هجوماً عنيفاً على الاتفاق، ووصفه بأنه «أسوأ اتفاق يتم التفاوض بشأنه» وقال إنه يهدد بحصول «محرقة نووية»، وفى مارس الماضى قال ترامب أمام اللوبى اليهودى «إيباك» إنه يضع «فى صدر أولوياته إلغاء هذا الاتفاق الكارثى مع إيران الذى يشكل كارثة بالنسبة إلى إسرائيل والشرق الأوسط، ووعد حتى بـ«تمزيق» الاتفاق حال وصل إلى البيت الأبيض.
ورغم أن وليد فارس أحد مستشارى ترامب لشؤون السياسة الخارجية حاول التقليل من حده ما قاله الفائز بالانتخابات الرئاسية، بقوله: «إن كلمة تمزيق قد تكون قوية جدا.. سيعيد النظر فى الاتفاق وسيرسله إلى الكونجرس وسيطلب من الإيرانيين تعديل بعض نقاطه»، إلا أن القلق مازال يسيطر على الجميع، فى أوروبا وإيران، وربما يفسر ذلك خروج وزيرة الخارجية الأوروبية فيديريكا موجيرينى، لتؤكد فى تصريح لشبكة سى «إن إن» أن الاتفاق حول النووى الإيرانى ليس اتفاقا بين إيران والولايات المتحدة، بل هو اتفاق متعدد الأطراف»، وهو ما يتلاقى أيضاً مع تأكيدات الرئيس الإيرانى حسن روحانى الذى قال إنه لن يكون بإمكان الرئيس المقبل ترامب العودة عن الاتفاق النووى مع إيران «لأنه صدر فى قرار عن مجلس الامن، ولا يمكن أن يتم تعديله بقرار صادر عن حكومة واحدة».
لكن هذه التصريحات تبقى مجرد تمنيات، لن تقترن بالواقع إلا حينما يعلن ترامب عن نيته الحقيقية تجاه هذا الملف المعقد، وإن كانت المؤشرات تؤكد أن ترامب لن يذهب بعيداً فى هذا الملف، لأنه يدرك تماماً أن الولايات المتحدة ليست الطرف الوحيد فى هذا الاتفاق، فهى كانت ضمن 6 دول وقعت على الاتفاق، ومن الصعب التراجع عنه بشكل جذرى كما قال ترامب خلال حملته الانتخابية، خاصة أن مجلس الأمن الدولى منح الاتفاق شرعية دولية، فإى محاولة لإلغاء الاتفاق بشكل مباشر وحتى إعادة التفاوض بشأنه، ستؤدى إلى عزل الولايات المتحدة وليس إيران وهو ما سيتحسب له ترامب جيداً.
لذلك ليس أمام ترامب إلا ترقب أى تحرك من جانب إيران قد يمنحه الفرصة للتدليل على أن إيران لم تحترم ما تم الاتفاق عليه، وبالتالى وفى هذه الحالة يحق له اللجوء مرة أخرى لمجلس الأمن لفرض عقوبات اقتصادية على إيران، وكذلك للكونجرس الأمريكى، لكن هذا الأمر سيكون صعب تحقيقه الآن، طالما أن طهران لم تقم بشىء يعد من قبيل التحركات المستفزة.