قضية الدواء أكبر من أن تخضع للأهواء، أو للإهمال، والدولة مسؤولة بشكل مباشر عن ضمان توفر الدواء للمرضى، مهما كانت الإجراءات التى تتخذها، ومن الظاهر أن وزارة الصحة تفتقد إلى جهاز استشعار يمكنه توقع ما يخص الدواء، ويفترض أن تكون هناك قواعد معلومات عن التوفر والنقص والبدائل، وألا يتم ترك قضية خطيرة كالدواء فى أيدى أفراد أو أطراف.
هناك بالفعل نقص فى أنواع ضرورية من الأدوية وارتفاع أسعار بعضها. ومن الأصناف الناقصة المحاليل الضرورية جدا وبعض مستلزمات الجراحة وفلاتر أجهزة الغسيل الكلوى، فضلا عن بعض أدوية السرطان والأطفال والأمراض المزمنة، لكن الأمر لا يتعلق بنقصها لكن ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه.
الأزمة ترجع إلى خفض العملة، وأيضا بسبب الفشل فى التوصل إلى صيغة واضحة بين الدولة ومنتجى ومستوردى الدواء لضبط السعر بما يتوافق مع مصالح المرضى وباقى الأطراف، مع الأخذ فى الاعتبار أن المرضى هم الطرف الأضعف فى المعادلة، وهم من يدفع ثمن نقص الأدوية من حياتهم وصحتهم.
وقد تحول الأمر إلى حرب انتقلت لمواقع التواصل، وتدخل فيها كثيرون لكونها تتعلق بصحة المرضى، لكن الأمر انتقل إلى نوع من التضليل، وقد انضم كثيرون إلى حملة تطالب «برفع حظر استيراد الدواء»، باعتبار أن الحظر سبب النقص، وهو أمر غير صحيح، لأنه لا يوجد حظر، ولكن هناك مطالب من المستوردين بإطلاق أيديهم فى التسعير وتحديد هوامش الربح، وهو ما ترفضه وزارة الصحة.
ويعرف كل من اقترب من ملف الدواء، أنه تجارة تخضع لعناصر كثيرة، وإن كان المستورد والتاجر يفكر فى أرباحه يفترض أن تمتلك السياسات الصحية عناصر التحكم، حتى لا تجد نفسها خاضعة لضغوط مثلما هو حادث الآن، حيث صدرت الشركات القضية لمواقع التواصل رهانا على عدم الاطلاع على الجوانب المختلفة، وبالفعل انضم كثيرون للحملة لمساندة المرضى الذين تحولوا بالفعل إلى رهائن فى معركة ليسوا طرفا فيها. وربما يستند المستوردون إلى عدم دراية كثيرين بأبعاد القضية، ثم أن وزارة الصحة لم تعلن عن استراتيجية واضحة لمواجهة الأزمات ببدائل جاهزة، وهو ما سبق وحدث فى قضية ألبان الأطفال، حيث بقيت الوزارة فى سياق رد الفعل، مفتقدة إلى المبادرة، حيث لا يفترض أن تبقى قضية الدواء خارج السيطرة.