هل يحتاج أحد إلى القول إن صحة المواطنين أمن قومى؟ لا أعتقد. لكن للأسف شهدنا فى الأيام القليلة الماضية صراعا كبيرا ما بين وزارة الصحة من جهة وشركات الأدوية من جهة أخرى، حول أسعار الدواء، وللأسف الذى دفع ثمن هذه المعركة هو المواطن، الذى عادة ما يدفع ثمن عدم التخطيط، وسوء الإدارة، وفساد الضمائر، وتهاوى الأخلاق وانعدام المحاسبة، وغياب الشفافية، يدفع المواطن ثمن كل شىء، من جيبه يدفع، ومن صحته يدفع، ومن عمره يدفع، ومن وجعه يدفع ومن مستقبل أولاده يدفع، وإن لم يجد ما يدفعه انفجر كطلقة مصوبة من مسدس مزود بكاتم للصوت، ولو أراد المواطن أن يجأر بالشكوى لفعل، ولو أراد أن «يجيب عاليها واطيها» لفعل أيضا، لكنه يثبت كل يوم أنه الأكثر وطنية من كل المتكبرين.
أعرف تجارا يتكالبون الآن على شراء العقارات الصالحة لتحويلها إلى مخازن، يتسابقون فيما بينهم على شراء أكبر قدر ممكن من المستحضرات الطبية، يدخرونها فى بيوتهم وبيوت أصدقائهم وأقاربهم، يسعون بكل ما أوتوا من قوة إلى احتكار الدواء، ولو قدروا لسعوا لاحتكار الهواء والماء، يعيدون إلى ذهنك تلك الصورة الفاجرة لأغنياء الحرب، يموت الناس ليزيد رغدهم وفحش ثرائهم، يموت الناس من أجل جرعة أنسولين بينما مخازنهم تئن من ثقل الكراتين المصفوفة جنبا إلى جنبا، وقعرا على رأس، ولو سألتهم لماذا تحولوا إلى هذه الصورة من أقذر أنواع الوحوش؟ يقولون نحن نحافظ على رؤوس أموالنا، فلو بعنا بالسعر القديم لن نستطيع أن نشترى نفس الكميات بالأسعار الجديدة، ولو رفعنا السعر بمقدار معين لا ندرى هل سيبقى هذا المقدار على حاله أم أن الأسعار ستزيد عنه؟، ولهذا يبقى تخزين الدواء هو الحل، حتى يستقر السوق وتتضح الرؤية!
وزارة الصحة من جانبها تصر على تحديد سعر الدواء وفقط، لا توفر بدائل ولا تدعم صناعة، ولا تشدد رقابة، اختارت أن تدخل مع تجار الدواء فى معركة تكسير عظام، وفى ثنايا المعركة تسمع قعقعة عظامك أنت، كل روح صعدت إلى بارئها فى رقبة الدولة، كل آهة انفجرت وكان من الممكن تسكينها فى رقبة الدولة، كل دمعة انهارت على خد أب لم يجد الدواء لابنه أو رجل لم يجد علاجا لأبيه فى رقبة الدولة، قلتم سنصلح الاقتصاد فقلنا سمعنا وأطعنا، وقلنا احموا الفقراء ولا تخلوا بواجباتكم، فلم تسمعوا ولم تعملوا، فإلى متى سيظل هذا الهوان؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة