بالتأكيد لا نريد ضباط شرطة "كيوت" بل نريدهم أسودا أقوياء قادرون على ضبط الإيقاع الأمنى للبلد، نريدهم أشداء فى مواجهة المجرمين والخارجين على القانون والبلطجية، نريدهم لا يتهاونون فى تطبيق القانون، لكن لا نريد أن تكون هذه القوة تمارس فقط على الضعفاء والفقراء ومن لا ظهر لهم، نريد من الأسود أن يحموا الناس الغلابة لا أن يمارسوا عليهم صفات "الأسودية"، فكما لا نريدهم ضباطا "كيوت" لا نريدهم أيضا "جزارين"، فليس معقولا أن يستقبل الرئيس الفقراء الشقيانين فى قصر الاتحادية ويكرمهم ويحتفى بهم ويعطيهم حقهم، بينما بعض ضباط الشرطة يعذبونهم ويقتلونهم، فهذا تناقض لا نقبله فى مصر ولا نريده لمؤسسة نحترمها جميعا ونقدر دورها فى حماية الأمن والاستقرار.
من المؤكد أن كثيرا من رجال الشرطة لديهم صفات الشهامة المصرية وأصول التعامل مع المواطنين بالقانون دون تجاوز أو خروج عن الحدود. والمؤكد أيضا أن هناك ثقافة مختلفة يتم نشرها الآن بين الأجيال الجديدة من رجال الداخلية، ثقافة تحترم حقوق الإنسان وتعطى المواطن حقه بعيدا عن موقعه الاجتماعى أو وظيفته أو علاقاتهم، ورأيت هذا بنفسى داخل كلية الشرطة، مثلما رأيت نماذج من ضباط الشرطة فى الشارع يقدمون مثلا وقدوة فى الاحترام، رأيت وتابعت من يرفضون رشاوى بالملايين رغم أن مرتباتهم لا تكفيهم نصف شهر، وأحدث هؤلاء المحترمين ضابط برتبة نقيب بمرور الجيزة مصاب فى عمليات أمنية رفض رشوة 10 ملايين جنية مقابل تمرير سيارة بداخلها تماثيل أثرية، ورأيت أيضا من يضحون بحياتهم وهم يطاردون مجرمين وتجار مخدرات وإرهابيين، وكل هؤلاء هم من يستحقون أن نقف عندهم ونقدمهم كصورة مشرفة للأمن المصرى، لكن فى الوقت نفسه لا ننكر أبدا أن هناك أيضا من يحترفون الإساءة للداخلية بكاملها بل وللأمن كمفهوم ورسالة، وهؤلاء ليسوا قلة أو حالات فردية كما يقال، وإنما أعداد ليست قليلة يتعاملون بمنطق الأسياد والباشوات، ويعتقدون أن البدلة الميرى تمنحهم السلطة لهذه التصرفات وتجعلهم فوق البشر وتعفيهم من العقاب، وبعض هؤلاء "على قديمه" وإذا لم نواجههم بكل قسوة ونطبق القانون عليهم دون رحمة وبتشدد فلن نردعهم ولن نحمى المواطنين من جبروتهم.
أنا لن أتحدث عن واقعة الأميرية - التى إن ثبت فى حق ضابط المباحث ارتكابها فلا بد من التشدد فى حسابه - وإنما أتحدث عن قاعدة عامة يجب أن تسود فى التعامل مع رجال الشرطة، تضمن أن يكون رجال الشرطة منضبطين فى تطبيق القانون وتحقيق الأمن، حتى وإن تطلب هذا الأمر حوارا مجتمعيا للتوصل إلى مدونة العمل الشرطى، وأن تعلن سريعا على المجتمع لتحافظ على العلاقة مع المجتمع وتقطع الطريق على المتصيدين للمؤسسة الأمنية.