لاشك أن انتخاب عون رئيسا للبنان يشكل انتصارا للسياسة الخارجية المصرية تجاه القضية السورية، ويؤكد على اقتراب ما دعت وإليه مصر بالحل السلمى، ولدرء اندهاش الأجيال الشابة حول كيف أن عون الخصم الرئيسى للوجود السورى فى لبنان صار الداعم الأول لسوريا، وكيف تنازل سمير جعجع الخصم الرئيسى لعون والسوريين عن رغبته للترشح لصالح عون، وربما لا تعلم هذه الأجيال أن العلاقات المسيحية «المارونية» السورية علاقات مصيرية، حيث سبق للموارنة استدعاء الجيش السورى لاحتلال لبنان لضرب المقاومة اللبنانية الفلسطينية 1978 والقيام بمذبحة مخيم تل الزعتر، كل تلك التجليات انعكست فى ردود الأفعال الدولية.
ما كاد عون يقسم اليمين حتى أسرعت روسيا على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية بالتهنئة، وأضاف: «نراقب بارتياح تخطى أزمة الرئاسة اللبنانية، ونأمل فى أن يعقب ذلك خطوات لتعزيز الاستقرار التنمية المستدامة التى يسعى إليها جميع المواطنين فى البلاد»، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية فى بيان لها: «إن هذه الخطوة تشكل فرصة لخروج لبنان من سنوات الجمود السياسى».. ودعت الوزارة الأطراف اللبنانية إلى «التمسك بالتزامات لبنان الدولية»، وجددت الولايات المتحدة التزامها بدعم استقلال لبنان وسيادتة وأمنة واستقراره.
تزامن مع التهنئة الأمريكية ترحيب إيرانى، وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية «بهرام قاسمى»: «إن انتخاب عون رئيسا للبنان خطوة مهمة لترسيخ الديمقراطية وضمان الاستقرار، وتعد رمزا للتعايش بين مختلف الأديان». وصرح على أكبر ولايتى مسشار خامنئى فى الشؤون الدولية أن انتخاب ميشال عون لرئاسة الجمهورية فى لبنان، هو «انتصار لنصر الله والمقاومة وأصدقاء إيران».
وأجرى الرئيس الإيرانى، حسن روحانى، مكالمة هاتفيه مع ميشيل عون، أكد فيها أن «انتخابكم جاء وقت حساس جدا، حيث تواجه المنطقة مخاطر التيارات التكفيرية والجماعات الإرهابية وأطماع الكيان الصهيونى».
وهنأت حركة «المقاومة الإسلامية حماس» على لسان ممثلها فى لبنان، على بركة، فى بيان، «الشعب اللبنانى الشقيق بانتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية وانتهاء حالة الفراغ الرئاسى». وقال بركة: «نعتبر أن لبنان القوى المعافى قوة للقضية الفلسطينية، لذا نؤكد دعمنا لوحدة لبنان وأمنه واستقراره.
رد عون التحية بأفضل منها حيث تعهد بمكافحة الإرهاب ومن امتداد ما سماه بـ«الحرائق الإقليمية» إلى لبنان.. وأشار إلى ضرورة حل القضية السورية وعودة اللاجئين السوريين.
من الملاحظ أن جميع الفرقاء: «أمريكا وروسيا وإيران وسوريا ومصر وحتى حركة حماس»، عبرت عن ارتياحها لانتخاب عون، الأمر الذى جعل إسرائيل تعبر عن قلقها من قناعتها بأنّ خطوة جعجع وسعد الحريرى بدعم ترشيح عون واقتراب اللبنانيين من حل أزمتهم السياسية يشكّلان رافعة للدور الإيرانى ومكانة «حزب الله» فى لبنان وتراجعاً لدور ما يعرف بـ«محور الاعتدال» العربى.
وفى هذا السياق، وصف معلّقون إسرائيليّون قبول جعجع عون رئيسا، نوعاً من «القنبلة الثقيلة» التى سقطت ووصلت شظاياها إلى كل الزوايا. ورأى هؤلاء أنّ «جعجع قلب بذلك طاولة السياسة فى لبنان عندما أيّد مرشح المعسكر المعادى بزعامة حزب الله»، مضيفين: «إن رئيساً لبنانياً، حليف لـ«حزب الله»، يبهج إيران ويشكل هزيمة إضافية للموقف السعودى. لم يكن أمام سعد الحريرى إلا أن يستأذن «الحليف» السعودى فى محاولة الحفاظ على هيبة «سنة بيروت وصيدا» أمام تحالف (جعجع - عون)، وعودة الشراكة الكتائبية البعثية بمباركة من المقر البطريركى فى «بكركى». كل ذلك يؤكد تخلى الولايات المتحدة الأمريكية عن السعودية لصالح إيران، وننتظر انتهاء معركتى الموصل وحلب لكى نحدد حجم الخسائر السعودية، وتحولها من شريك فى صنع القرار الإقليمى إلى ضيف شرف مؤقت.