ليس هناك قطاع يستحق أن تتركز حوله الجهود أكثر من قطاع الصحة والمستشفيات والعلاج، ومع الأخذ فى الاعتبار أن الإمكانات المادية مهمة وضرورية فإن تطوير وتحسين الخدمات الصحية يحتاج إلى ما هو أكثر من المال. الإدارة، فكثير من المشكلات التى تقع فى مجالات الصحة ترجع للبيروقراطية وغياب المساواة، والإهدار وثغرات تتسرب منها الإمكانات المحدودة.
وهناك تجارب تثبت إمكانية النجاح فى ظل الموارد المحدودة، وأن الإدارة الرشيدة يمكن أن تعوض جزءا من نقص الإمكانات. وضربنا مثلا بالنجاح فى مواجهة فيروس التهاب الكبد الوبائى، ونجاح مراكز أهلية مثل مجدى يعقوب، أو جامعية كمركز الكلى أو المراكز المختلفة ثم تجارب المستشفيات العسكرية، فهى الأخرى ناجحة، وبالتالى نحن أمام تجارب ناجحة ونظام صحة مختل.
بل وهناك أيضا ظاهرة وجود مبان ومستشفيات تم بناؤها ولم تفتتح، أو وجود أجهزة حديثة للأشعة والتحاليل فى المستشفيات العامة والمركزية من دون أخصائيين لتشغيلها، وأيضا توفر أجهزة حديثة ومتقدمة، بينما هناك نقص فى الإمكانات الأبسط، وإذا نظرنا للعنصر البشرى فى الأطباء نكتشف أن الطبيب الذى يتفرغ للعمل بالمستشفيات العامة والمركزية لا يحصل على بدل عيادة محترم، ولم تتحرك البدلات منذ السبعينيات أو الثمانينيات، وهو ما يفتح الباب أمام الجرى إلى العمل الخاص، والازدواجية، مع الأخذ فى الاعتبار أن جزءا من نجاح المراكز الأهلية هو التفرغ.
صحيح أن الإمكانات والميزانية مهمة للصحة، لكن سوء الإدارة والإهمال والتسيب، وإهدار الإمكانات كلها عناصر تتحكم فى الأمر. هناك خلل وسوء تنظيم أو توزيع للإمكانات وخلط بين العام والخاص، وفى الطب هناك مليونيرات وصعاليك، وأيضا تجارة تفتقد للإنسانية وتدمر الرسالة. لأن الطب الخاص ليس بخير تماما، وهناك استغلال فى بعض المستشفيات، واتجار بالمرضى.
كل هذا بحاجة إلى دراسة مستقلة تحدد تشخيصا لحال الطب والعلاج، والتوصل للأسباب التى تجعلنا ننجح فى علاج تحد ضخم مثل الفيروس سى ونفشل فى مواجهة تحديات الصحة، ونكرر أننا دائما ما نسمع ونقرأ عن الدعوة للبحث عن حلول من خارج الصندوق، بينما نحن لم ننته بعد من الحلول الموجودة بالصندوق، لأننا غالبا نعرف القضية وأبعادها وتداعياتها، ونقف عند التشخيص، ونظل ندور حول أنفسنا وتستمر معاناتنا ومعاناة المرضى، بسبب تجاهل حلول الصندوق وخارجه.