هل يمكن أن تتفكك أمريكا؟ هل يمكن أن نرى كل ولاية فيها جمهورية مستقلة لها رئيس وحكومة وسفراء فى الخارج وعلم وعاصمة وعضو فى الأمم المتحدة؟
الأسئلة مطروحة بعد فوزر ترامب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية وزاد منها المظاهرات التى اندلعت فى بعض المدن الأمريكية تحمل شعار «ليس رئيسى» فى إشارة إلى «ترامب»، غير أن مسألة تفكيك أمريكا تبدو للوهلة الأولى خيالا، ومجرد لغو يضيع الوقت بسببه، وأول أمس شاهدت ندوة مثيرة بعنوان «الولايات غير المتحدة» على قناة الميادين اللبنانية، تحدث فيها «توم حرب» مدير التحالف الأمريكى الشرق أوسطى لدعم ترامب، والدكتور أشرف بيومى الخبير فى الشئون الأمريكية ويحمل الجنسية الأمريكية إلى جانب جنسيته المصرية، و«لويس مارينيللى» منسق أو رئيس حركة «نعم كاليفورنيا» وهى الحركة التى تعمل من أجل استقلال كاليفورنيا وكان لها الحضور القوى فى المظاهرات ضد فوز ترامب.
سمعت من «مارينيللى» شىء مشابه لما هو مثار هنا فى منطقتنا العربية حول تقسيمها وتفكيكها، صحيح أن الأوضاع هنا غير الأوضاع هناك، فنحن لدينا حروب فى اليمن وسوريا والعراق وليبيا، ولدينا داعش والنصرة وفتح الشام وجيش الإسلام وغيرها من جماعات الإرهاب التى تمزق سوريا والمنطقة، وأن الفرق هائل فى التقدم الحضارى بين هنا وهناك، وأن أجهزة المخابرات للدول الكبرى التى لديها مطامع فى منطقتنا ترسم خططها وتنفذها، وبالطبع لا يوجد مثل هذا فى «كاليفورنيا»، بالرغم من اتهامات لروسيا بمساندتها لـ«مارينيللى».
أقول إنه لدينا كل المصائب التى تستهدف تقسيمنا وتفتيتنا، بينما لا يوجد شىء منها فى كاليفورنيا حتى يندفع بعض أهلها إلى مطلب الاستقلال ورواج دعوات إلى تنظيم استفتاء حول ذلك فى عام 2019، فلماذا إذن يحدث هذا؟ هل هو أحد نتائج الرفاهية، خاصة أن كاليفورنيا وحدها سادس اقتصاد فى العالم؟
ليس لدى إجابة، لكن ما يثير انتباهى فى مثل هذه القضايا عبر التاريخ، أن أفكارها تبدو خيالا فى بدايتها، ولا تبعث إلى توقع أنها ستتحول إلى حقيقة على الأرض، وبعد سنوات طويلة منها نفاجأ بها واقعا ملموسا، والفكرة الصهيونية نموذج لذلك بدءا من اختمارها فى ذهن فرد «هرتزل»وتطبيقه على الأرض بتأسيس دول هى إسرائيل باقتلاع الشعب الفلسطينى من على أرضه.