لا يوجد فى مصر فئة كل عناصرها من الملائكة بما فيها «رجال الدين» فى الأزهر والكنيسة
خلال الأيام القليلة الماضية، تعرض قضاة مصر لانتقادات شعبية كبيرة من بطء عملية التقاضى، وعدم إصدار أحكام قضائية سريعة وناجزة، خاصة فى القضايا التى أثارت غضبا شعبيا جارفا، مثل ارتكاب «حبارة» لمجازر الجنود فى رفح بطريقة وحشية، وقتل وسحل وتشويه جنود وضباط قسم شرطة كرداسة، وهى جرائم مصورة صوتا وصورة. بجانب حالات اعتذار القضاة عن نظر عددا من القضايا تحت مبرر «استشعار الحرج»، ثم قيام محكمة النقض بقبول كل الطعون فى الأحكام الصادر فيها قرارات الإعدام والمؤبد للقيادات الكبرى لجماعة الإخوان وأتباعهم، من عينة مرسى وبديع والبلتاجى وحبارة وغيرهم من القيادات.
الغضب الشعبى المكتوم من القضاة، نتيجة أن نظر القضايا استمر أكثر من ثلاث سنوات كاملة، وبعد صدور الأحكام فيها، قررت محمكة النقض قبول كل الطعون وأعادت نظر القضايا من جديد، وهو أمر زاد من سخط الناس، وفى القلب منهم أسر شهداء الشرطة والجيش. وبالتأكيد أن الذى يسدد فاتورة هذا الغضب هم القضاة، دون النظر إلى منظومة العدالة برمتها. وإذا تحدثت مع القضاة، عن سبب طول عملية التقاضى، على الفور يشيرون بأصابع الاتهام إلى التشريعات والقوانين، ولا يملكون رفاهية إلا تطبيقها، وأن معظم هذه القوانين والتشريعات مليئة بالثغرات، ومعيقة للعدالة السريعة الناجزة، بالإضافة إلى عدم وجود قاعات كافية لنظر القضايا، فى المحاكم المختلفة.
والسؤال، إذا كانت القوانين والتشريعات، مكبلة للعدالة الناجزة، فأين الحكومة ممثلة فى وزارة العدل، ولماذا لم تقدم للبرلمان مشروعات قوانين لتعديل أو استحداث تشريعات تحطم القيود المكبلة للعدالة الناجزة؟ وأين اللجنة التشريعية بمجلس النواب، ولماذا لا تبادر بالجلوس مع وزارة العدل، ونادى القضاة لوضع ورش عمل قانونية، لتنقية التشريعات، والتوصل لمنظومة عدالة محترمة، تضمن العدل فى التقاضى، والسرعة، والقصاص من المجرمين والقتلة، وتطفئ النار فى صدور المظلومين.
أين نادى القضاة؟ ولماذ لا يسارع بعقد مؤتمر يناقش منظومة العدالة برمتها، وتنقيتها وتطويرها بما يواكب تطورات العصر، بديلا عن القوانين الموضوعة فى أوائل القرن الماضى؟
يا سادة لابد من الاعتراف أن الكتلة الصلبة والمعتدلة فى مصر، والمتمثلة فيما يطلق عليها اصطلاحا «حزب الكنبة» تمثل الغالبية من الشعب المصرى، وهى الكتلة الحامية والمدافعة عن الدولة الوطنية، بالمال والأرواح، وللأسف معظم هذه الكتلة تحمل غضبا مكتوما وشديدا من منظومة العدالة البطيئة، والعرجاء إلى حد الشلل.
وللأسف، القضاة يسددون فاتورة هذا الغضب، ويتلقون سهام النقد والغضب فى صدورهم، رغم أنهم أبرياء، وما هم إلا أدوات منفذة للقانون، لا يتحركون إلا داخل دائرة منظومة العدالة المستقرة منذ عقود طويلة، وأن عدم التزامهم بالقانون، سيدفع برؤوسهم تحت مقصلته، وأن محاميا صغيرا، يستطيع الطعن على أى حكم لا يلتزم بالمنظومة القانونية والتشريعية. ولابد من إدراك حقيقة أن تكون منفذا للقانون، وأن تكون واضعا له، والقضاة الحاليين، منفذين للقوانين والتشريعات الموجودة ولا يمكن لهم خرقها، ومن ثم فلابد أن نسلط غضبنا على التشريعات البالية، وليس القضاة، ونطالب من لهم الحق فى التشريع بضرورة إحداث ثورة سريعة وقوية، على منظومة القوانين الحالية، واستبدالها منظومة عدالة متطورة وناجزة، تعيد الثقة للناس فى العدل أمام منصات القضاة.
وعلى القضاة أنفسهم ومن خلال منابرهم الرسمية مثل وزارة العدل ونادى القضاة، ألا يصمتوا كثيرا أمام التشريعات والقوانين البالية التى تجعل منهم «متهمين» طوال الوقت «بالحرج» وبطء التقاضى، والإسراع بتقديم مشروعات قوانين ووضع السلطات الأخرى أمام مسئولياتها، مثل الحكومة «السلطة التنفيذية» والبرلمان «السلطة التشريعية».
وأرجو من الكتلة الوطنية الصابرة والمضحية التى تمثل الأغلبية من الشعب المصرى التماس العذر للقضاة، لأنهم مكبلون بقوانين وتشريعات موضوعة منذ أكثر من قرن مضى، بل لا أكون متجاوزا اذا قلت منذ قانون «حمورابى».
كما أرجو الالتفات إلى خطر التعميم فى توجيه النقد، فإذا أخطأ قاض، فلا يمكن أن يكون كل قضاة مصر مخطئين، ولا يوجد فى مصر، فئة، كل عناصرها من الملائكة بما فيها «رجال الدين» فى الأزهر والكنيسة، لذلك فإنه من المؤلم والمحزن أن نسقط حالة فردية هنا أو هناك على منظومة كاملة. ولَك الله يا مصر!