"فى هذا العالم العربى الشاسع، كانت فلسطين هى الأرض الوحيدة التى لم أتمكّن من زيارتها، مع ذلك، فإن شعبها هو الضحيّة الأولى لكلّ ما وصفتُه فى الكتاب، ضحية جهل هذا المبدأ الذى أردتُ تسليط الضوء عليه، والذى يذكّرنا على الرّغم من الإنجرار وراء الاحتلال والهَيمنة والغَطرسة وغريزة التفوق المخزية، أننا "لم نَعُد وحدَنا فى العالَم"، هكذا أهدى الكاتب برتران بادى أستاذ العلاقات الدّولية فى معهد العلوم السياسية فى باريس كتابه " لم نَعُد وحدَنا فى العالَم: "النظام الدّولى" من منظور مُغاير"، للشعب الفلسطينى.
بحسب ما يورِد الكاتب فى مقدّمته "أن معظم العنف الذى نعانى منه يتأتّى من سوء الفهم ومن هذا التجاهل الدائم للآخر، وأنا أسعى هنا لإقامة البرهان على أن العالَم ينحو باتّجاه الكثير من القسوة، لأنّنا نريد أن نقاربه من خلال أنفسنا حصرياً فلو كنّا نُدرِك حقا أنّنا لَسنا وحدَنا فى العالَم، لتوصّلنا إلى فهم آخر للوجود الجماعى، وهو، بما لا يقاس، أكثر نزوعا إلى السِّلم وأكثر مَيلاً إلى التضامن".
إلّا أنّ هذه اللّحظة التى أسّست لنظام الغرب الدّولى، أفضت- بحسب تحليل بادى- إلى بروز تناقض كبير، تمثَّل أولاً فى تقديس مبدأ السيادة الذى قلّص إلى أقصى حد وزن القانون الدّولى من جهة، وأفضى إلى الإفراط فى "عَسْكَرة" النّظام الدّولى من جهة أخرى؛ الأمر الذى رَسم إطار اللّعبة الدّولية، بوصفه مساراً سياديّاً وتنافسيّاً، وقائماً على القوّة والحرب، لا بل على عَسْكَرة الدّول.
من هنا، "بدأ التاريخ فعلاً يتغيّر..." على حدّ تعبير بادى، غداة الحرب الباردة إذاً، "ارتكبت الدّول الغربية خطأً فى التفكير فى أنّ "الفائز" سوف يُدشِّن زمن الهَيمنة الأحادية للنّظام الدّولى، فاعتماداً على قواعد علم الحساب، افترَضت هذه الدّول أنّ فشل لاعب فى نظام ثُنائى القيادة يؤدّى إلى عالم أحادى القُطب. إنّ عِلم الحساب مادّة موثوقة إلى أقصى الحدود، لكنّه لا يُطبّق على العلاقات الدّولية".
لقد أظهرت العَولَمة قدرة بلاد الجنوب على كسر منطق الحماية الذى فرضته الحرب الباردة، والولاء إمّا للشرق أو للغرب، واتّجاه اللّاعبين الأكثر نشاطاً فى العالَم النامى للوقوف بشكل أساسى فى مواجهة الشمال، الذى مثّلت تفجيرات 11 سبتمبر2001 أحد أبرز مؤشّراته.
فى رؤيته يركِّز برتران بادى على ضرورة تغيير النظرة إلى العلاقات الدّولية، انطلاقاً من ملاحظتَين أو من منظورَين رئيسَيْن: أولاً، ضرورة عدم معالجة العلاقات الدّولية فى إطارٍ مستقلّ، وثانياً، واقع أنّ تكوين العلاقات الدّولية لم يَعُد يخضع، ولن يخضع أبداً، لمبادرة الدّول لوحدها، لأنّ هذه الأخيرة محكومة بالتجاوب بشكل متزايد مع ديناميّة المجتمعات، أكثر من التأثير عليها.
هكذا يُظهِر بادى أنّ مخاطر تمسّك القوى الغربيّة برغبتها فى الهَيمنة أصبح بعكس مسار التاريخ، لأنّها بذلك لن تتمكّن من الإمساك بهذا العالَم الجديد المتأزِّم فلم يحدث فى أى مرّة أن تمكّنت قوّات البلدان الغربيّة، المتفوّقة إلى حدّ كبير، من أن تَحسم النّزاع بشكل فعلى فى أفغانستان، والعراق، وسوريا، والصومال، وليبيا، وأفريقيا الوسطى، ومالى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة