هل يستجيب الاتحاد الأوروبى لمطالب برلمانه بتجميد مفاوضات انضمام تركيا؟ القارة فى مأزق بين التصدى لجرائم أردوغان وحفظ مصالحها.. أنقرة تضغط بالإرهاب واللاجئين.. والمنظمة تهدد "السلطان" بصعود اليمين

الجمعة، 25 نوفمبر 2016 02:51 ص
هل يستجيب الاتحاد الأوروبى لمطالب برلمانه بتجميد مفاوضات انضمام تركيا؟ القارة فى مأزق بين التصدى لجرائم أردوغان وحفظ مصالحها.. أنقرة تضغط بالإرهاب واللاجئين.. والمنظمة تهدد "السلطان" بصعود اليمين هل يستجيب الاتحاد الأوروبى لمطالب برلمانه بتجميد مفاوضات انضمام تركيا؟
تحليل آمال رسلان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بين الصعود والهبوط تتذبذب العلاقات التركية الأوربية إلا أن الطرفان يحافظان دائما على شعرة معاوية بينهما التى لا تنقطع أبدا، على الرغم من شطحات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وحملته الممنهجة ضد حرية الرأى والتعبير والناشطين وأى صوت معارض له، إلا أن الاتحاد يقف اليوم فى مأزق بعد أن طالب البرلمان الأوروبى بتعليق مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى، بتصويت ثلثى أعضاء البرلمان فى جلسة اليوم.

 

ويأتى هذا القرار كرسالة احتجاجية، ضد حملة الاعتقالات والإقالات التى أطلقها الرئيس التركى بعد محاولة الانقلاب، وتمكنت أكبر الفصائل السياسية فى البرلمان الأوروبى من توحيد جهودها لدعم مقترح تجميد مفاوضات العضوية بشكل مؤقت وقطع المحادثات تلقائيا إذا أعادت تركيا تطبيق عقوبة الإعدام.

 

وتتوجه الآن جميع الأنظار إلى الاتحاد الأوروبى الذى يقف أمام تحدى مصداقيته وتقديم نفسه دوما على أنه مدافعا دوليا عن حقوق الإنسان، مما يطرح تساؤلات كثيرة خاصة فى دول منطقتنا التى عانت كثيرا من فرض أوروبا وصايتها عليها بالتوجيه تارة وباللوم تارة أخرى، هل ستستمر القارة العجوز فى السكوت على انتهاكات السلطان العثمانى.

 

ويتوقف قرار الاتحاد الأوروبى بالاستجابة أو عدمها لمطالب البرلمانيين على أوراق الضغط التى تمتلكها تركيا وتلاعب بها دول أوروبا، وما إذا كانت دول الاتحاد تمتلك فى المقابل أوراق تضغط بها على أردوغان يمكن أن تقلب بها الموازين.

 

هل تحمل تركيا أوراق ضغط على أوروبا:

خلال العام الماضى تفاقمت فى أوروبا أزمتان قدمتا لتركيا فرصة على طبق من ذهب للضغط على أوروبا لفرض شروطها بسهولة وهما الإرهاب واللاجئين، حيث تملك تركيا وحدها دون غيرها 99% من خيوط الأزمتين.

 

فعلى صعيد اللاجئين أدركت أوروبا مبكرا أن تركيا هى البوابة الكبيرة لتدفق الفارين من الحرب السورية للقارة العجوز وهى الأزمة الأكبر التى أصبحت تؤرق الاتحاد الأوروبى ودوله الأعضاء، بعد أن تخطى عدد اللاجئين حاجز الـ1.5 مليون لاجئ وصلوا أوروبا عبر تركيا.

 

وتعمدت أنقرة أن تذيق الاتحاد الأوروبى ويلات فرار اللاجئين السوريين لاستخدامهم كورقة ضغط على الاتحاد الأوروبى لتحقيق مصالح خاصة أهمها إعفاء الأتراك من تأشيرة أوروبا والدخول فى مفاوضات جادة لانضمام تركيا للإتحاد الأوروبى، وتقديم مساعدات مالية لتركيا فى ظل تعرض اقتصادها لأزمات طاحنة.

 

أما الإرهاب فهو أزمة ليست فى معزل عن قضية اللاجئين ففى الوقت الذى تعرضت فيه أوروبا لهجمات إرهابية ضارية تكشف أن الدواعش منفذى تلك الهجمات – أو كما أطلق عليهم الغرب الذئاب المنفردة - تسللوا لأوروبا وسط اللاجئين السوريين، مما جعل أوروبا تسارع فى التودد لتركيا لغلق بوابة نفاذ الإرهاب والإرهابيين عبر سوريا لأوروبا.

 

وبين ورقتى ضغط الإرهابيين واللاجئين استطاعت تركيا أن تنتزع اتفاق مع أوروبا فى مارس الماضى بتقديم 3 مليارات يورو لتركيا لمساعدة اللاجئين السوريين الفارين من العنف الدائر فى بلادهم، والذين يحاولون الوصول إلى أوروبا فى أضخم موجة هجرة مثلت تهديدا حقيقيا على وحدة الكتلة الأوروبية، واستعادة تركيا اللاجئين السوريين "غير الشرعيين" من أوروبا مقابل المحفزات الاقتصادية والسياسية لأنقرة.

 

هل تحمل أوروبا فى المقابل أوراق ضغط تجاه تركيا:

بالطبع تحمل أوروبا أوراق ضغط لتلاعب بها تركيا وقت الحاجه وصولا الى مصالحها، فى مقدمتها الدعم الغربى لنظام الإسلام السياسى والحفاظ على استمراره وبقاءه، الذى لم يعد له تواجد فى المنطقة الشرق أوسطية إلا فى تركيا بعد سقوطه فى مصر وخفوته فى أغلب الدول العربية.

 

أوروبا تعلم مدى احتياج أردوغان لها لاستمرار نظامه وحمايته ليظل تيار الإسلام السياسى على قيد الحياة، وفى هذا الإطار تلوح الدول الأوربية لتركيا بورقة صعود التيار اليمينى المتطرف للحكم الذى يستغل أزمتى اللاجئين والإرهاب للترويج لنفسه وحشد الأصوات فى الإنتخابات العام المقبل،  وفى هذا الإطار تضغط أوروبا على تركيا للتصدى للأزمتان وإلا فناء الإسلام السياسى.

 

انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى أكبر أوراق الضغط على أردوغان:

حلم قديم ولكنه لم يمت يراود الأتراك منذ توقيع بروتوكول أنقرة عام 1963 الذى نظم انضمام تركيا للتجمع الاقتصادى الأوروبى، وحتى توقيع اتفاقية الاتحاد الجمركى عام 1995، وترشيح تركيا عضوًا محتملًا فى العام 1999، وانتهاء بإعلان بدء المفاوضات الرسمية حول العضوية الكاملة بين أنقرة وبروكسل فى 2005.

 

أردوغان لم يتنازل عن الحلم الأوروبى رغم العراقيل التى تضعها العواصم الأوربية الكبيرة فى برلين وباريس وحتى ألمانيا تخوفا من تأثير انضمام تركيا على ميزان القوة داخل المؤسسات الأوروبية، وتدفق العمالة، والتركيبة الديموغرافية للاتحاد، حتى ظهرت أزمة اللاجئين والتى انتهزتها أنقرة لإعادة تفعيل الحلم، واستطاعت تركيا أن تضع انضمامها للاتحاد شرط لإنقاذ أوروبا من اللاجئين.

 

وانتقدت المفوضية الأوروبية فى تقريرها المرحلى الأخير حول عملية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى مؤخرا أنقرة بسبب “عودة الى الوراء” فى مستوى معايير الانضمام وبينها خصوصا ما يتعلق بحرية التعبير ودولة القانون، وأكدت المفوضية الأوروبية فى تقريرها أن تركيا شهدت “انتكاسة جدية خلال العام الماضى فى مجال حرية التعبير، فى إشارة إلى عمليات تسريح وطرد واسعة شملت خصوصا آلاف العسكريين والقضاة والصحافيين والمدرسين، نفذها النظام إثر محاولة الانقلاب فى منتصف يوليو الماضى.

 

حيث قامت السلطات التركية منذ محاولة الانقلاب بإيقاف ما يقرب من 13 ألف رجل شرطة عن العمل واعتقلت العشرات من ضباط القوات الجوية، للاشتباه بأنهم على صلة برجل الدين المقيم فى الولايات المتحدة فتح الله كولن الذى تتهمه أنقرة بتنسيق محاولة الإطاحة بالحكومة.

 

وتم إعفاء 37 شخصا يعملون فى مقر وزارة الداخلية من مناصبهم، وفصل 28 ألف مدرس واستهدفت الحملة مدرسون فى جنوب شرق البلاد ذى الأغلبية الكردية ، كما أمرت تركيا بإغلاق 20 قناة تلفزيونية ومحطة إذاعية تبث إحداها برامج للأطفال بتهمة نشر "دعاية إرهابية" واعتقال 130 صحافيا وإلى أن 2500 باتوا عاطلين عن العمل بعد إغلاق وسائل الإعلام التى كانوا يعملون فيها.

 

 

تركيا وتأثيرها فى الناتو:

تواجد تركيا فى حلف الناتو كان مدعاة لتوطيد العلاقات التركية الأوربية، إلا أن علاقات أنقره بالحلف قبل أحداث 15 يوليو تختلف تمام فيما بعدها، وذلك فى ظل عدم التجاوب من جانب الناتو مع الأحداث التى شهدتها أنقره ضد نظام أردوغان والذى كان ينتظر دعما قويا له كدولة عضو بالحلف، إلا أن رد فعل الناتو جاء فاترا أكثر من المتوقع.

 

وعلى ما يبدو أن هناك شكوكا تركيه لضلوع الحلف فى محاولة الإنقلاب عليه، حيث نشرت تقارير اعلامية أن مصطفى زكى أوغرولو الجنرال التركى الذى تم إرساله فى مهمة إلى مقر قيادة الحلف فى نورفلك بولاية فيرجينيا، إلا أن تركيا أصدرت تركيا بحقه أمر اعتقال بتهمة الانتماء لتنظيم فتح الله غولن، وطلبت من الناتو إنهاء مهمته وإعادته إلى تركيا، لكن الناتو تجاهل الطلب تركيا، ولم يعفه حتى من الخدمة الفعلية.

 

وأدت تلك الأحداث الى تصدع فى العلاقات بين أنقرة وحلف الناتو، مما ينذر بخروج محتمل لها..

 

أنقرة تضغط بورقة روسيا:

تركيا بدأت تستخدم ورقة ضغط جديدة ضد أوروبا حيث أشهرت فى وجهها ورقة روسيا، حيث شهد الشهران الماضيان تقاربا على المحور التركى - الروسى على هامش التوتر التركى – الأوروبى، وهذا التقارب ظهر بعد أن شعرت أنقرة أن الناتو وشركاءها الأوروبيين قد خذلوها فى أزمة إسقاط المقاتلة الروسية فى نوفمبر 2015، ثم تفاقمت الأزمة بعد برود الموقف الأوروبى من المحاولة الانقلابية.

 

وبعد هذا البرود أخذت العلاقات التركية - الروسية أبعاداً إيجابية جديدة خاصة فى ظل القمة التى جمعت الرئيس التركى رجب طيب أردوغان والرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى أغسطس الماضى، واقتراح موسكو لتأسيس منظومة أمنية مشتركة مع أنقرة، وهو ما قبله أردوغان دون تردد.

 

أردوغان يلوح بالرجوع عن"اتفاقية لوزان":

فى الوقت الذى ضيقت فيه أوروبا خناقها على الرئيس التركى لجأ الآخير إلى التلويح بالتراجع عن معاهدة لوزان للسلام الموقعة فى عام 1923 والتى بموجبها رسمت حدود  تركيا المعاصرة.

 

وقال أردوغان فى كلمة له فى سبتمبر الماضى: "قاموا خصوم تركيا فى الحرب العالمية الأولى بإجبارنا التوقيع على المعاهدة وحاول البعض خداعنا بتصوير هذه المعاهدة كانتصار، ولكننا فى لوزان، تخلينا لليونان عن جزر فى بحر إيجه، على الرغم من أن الصرخة من هناك تسمع على الشواطئ التركية قريبة جدا من الساحل التركى، فهناك توجد مساجدنا ومقدساتنا".

 

وفسرت الأوساط السياسية أن فى حديث أردوغان تهديد لأوروبا بالتراجع عن الإتفاقية التى تم توقيعها فى عشرينيات القرن الماضى بين بريطانيا العظمى وفرنسا وإيطاليا واليابان واليونان ورومانيا ويوغسلافيا، من جهة، وتركيا - من ناحية أخرى، ووضعت الوثيقة حدودا جديدة لتركيا ونظمت بذلك بشكل قانونى عملية انهيار وتفكك الإمبراطورية العثمانية.

 

وكانت وقتها الإمبراطورية العثمانية تسيطر على معظم أراضى البلقان واليونان وأراضى شاسعة شرقى أوروبا، كما فرضت سيطرتها على جميع الأراضى العربية فى غرب آسيا وشمال أفريقيا، وأراد الرئيس التركى أن يوصل رسالة لأوروبا راعية الاتفاقية أن “الأخطاء التاريخية” التى يتحملها الأتراك الآن، يمكن التراجع عنها بشكل أو بآخر.

 

خريف العلاقات وتساقط أوراق الضغط :

ومع بداية الخريف شهدت العلاقات فصلا جديدا من مزيد من التوتر تساقطت خلاله أوراق الضغط من يد الطرفين، وبدأت بوادر تصعيد جديدة تلوح فى الأفق خاصة مع بداية العام 2017 والذى ربما يرسم خط جديد بمقاييس جديدة للعلاقات الأوروبية التركية.

 

فاتفاق إعادة اللاجئين فى مهب الريح بعد أن أجلت أوروبا تحرير تأشيرة شينجن على المواطنين الأتراك، الذى كان يُفترض أن يتم فى يوليو ثم تم تأجيله لأكتوبر ثم لبداية العام، فى ظل إصرار الاتحاد على إعادة صياغة قانون الإرهاب التركى، وفى المقابل هددت تركيا بأنها لن تفى فى المقابل بالجزء المتعلق بها فى الاتفاق، ويرى المراقبون أن الاتفاق بات عملياً فى حكم الملغى.

 

وأعادت تركيا حكم الإعدام بعد أن كانت ألغته فى إطار التناغم مع معايير الانضمام للاتحاد الأوروبى، وأصبحت تركيا منشغلة بأجندتها الداخلية، فى مواجهة حزب العمال الكردستانى، بما يجعلها أقل رغبة فى تطبيق المعايير الأوروبية على المديين القريب والمتوسط.

 

وعلى الرغم من مرور العلاقات التركية الأوربية حاليا بالعديد من الأزمات تهدد بانهياراتفاق اللاجئين ووقف مفاوضات دخول أنقرة للاتحاد الأوروبى وشرخ فى حلف شمال الأطلسى، إلا أن أوروبا مازالت ملتزمة الصمت على أردوغان وجرائمة، وسيحدد تجاوب الإتحاد الأوروبى مع مطالب برلمانه مدى جديته فى الوقوف فى وجه تجاوزات أردوغان أم أنها ستظل محافظة على شعرة معاوية بينهما مع إدارة ذكية للملفات المشتركة، واستخدام أوراق الضغط من كلا الجانبان وقت اللزوم وفقا لخارطة المصالح المتبادلة وحسب تغير الأوضاع الإقليمية والدولية.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة