الانبا ارميا

"المعادلة الصعبة"

الأحد، 27 نوفمبر 2016 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
السير فى طريق الحياة يحتاج إلى مهارات ومعرفة بِسمات الطريق وطبيعته كى يعبره الإنسان بأمان؛ ويتعلم الإنسان هذه المهارات من الخبرات التى تمر به، ومن خبرات من قبله.
 
ومعاملات الإنسان مع الآخرين هى من المحتم أنها تُسعد بعضًا وتُشقى بعضًا آخر، إلا أنه يجب عليه أن يتعلم فُنون التعامل الإنسانى الإيجابى مع الآخر من أجل حياة مثمرة بناءة تحمل له قدرًا من السعادة. وقفت أمام كلمات أحد الحكماء لابنه يخاطبه: "يا بنى، إن عَلاقاتنا بالناس تدوم وتستمر بالتغاضي، وتزداد انسجامًا بالتراضي، لكنها تمرض بالتدقيق، وتموت وتنتهى بالتحقيق. بالابتسامة نتجاوز الحزن، وبالصبر نتجاوز الهم، وبالصمت نتجاوز الحماقات، وبالكلمة الطيبة نتجاوز الكراهية، تميز بما شئتَ، لكن لا تتكبر أبدًا، اكتُب ما شئتَ، لكن لا تستفز أحدًا، انتقد كما شئت لكن لا تطعن أحدًا. روعة الإنسان ليست بما يملك بل بما يمنح". 
 
ولكى يحقق الإنسان تلك المعادلة الصعبة يحتاج إلى قدر كبير من المحبة ليتمكن من أن يمنح الآخرين. وهنا أضع أمامكم قصة وصلتنى من أحد الأصدقاء تحكي: تزوج رجل من امرأة كانت تتمتع بقدر كبير من الجمال، وقد أحبها جدًا. إلا أنه مرت ببلاده ضيقة شديدة: فقد انتشر بها مرض يتسبب فى تشويه صورة الإنسان من خلال ظهور دمامل فى الوجه. وفى يوم شعرت الزوجة الجميلة بأنها قد أصيبت بذلك المرض اللعين، إلى أن جاء اليوم الذى تأكدت فيه شكوكها فها هى الدمامل بالفعل تأخذ فى الزحف على وجهها وسوف يتشوه جمالها. كان الزوج آنذاك فى سفر استغرق بعض الوقت ولم يكُن يدرى بما أصاب زوجته؛ وفى طريق عودته أصيب فى حادث أليم أدى إلى فقدانه البصر. لكن الحياة لم تتوقف واستكمل الزوجان مسيرتهما معًا . وتمر الأيام والزوجة تفقد جمالها وتزداد تشوهًا، فى حين الزوج لا يرى ذلك القبح الذى بدأ يسدل أستاره على زوجته المحبوبة! واستمرت الحياة بينهما سنوات طوال بدرجة الحب نفسها والوئام والاحترام اللذين عهدهما كل منهما فى الآخَر منذ بدء زواجهماٍ. وذات يوم، تُوُفِّيت الزوجة ليحزن الزوج حزنًا شديدًا لفراقها. وبعد انتهاء مراسم الدفن، بدأ الزوج فى التحرك لمغادرة المكان بمفرده فسمِع أحدهم يقول له: إلى أين أنت ذاهب؟ فأجاب: إلى منزلي. فرد الرجل بحزن على حاله إذ كانت زوجته هى التى تقوده فى الطريق: وكيف ستذهب وحدك وأنت لا تبصر؟ وهنا أجاب الزوج: أنا لستُ أعمى، ولكننى تظاهرت بالعمى لئلاٍ أسبب جرحًا لزوجتى عندما علِمتُ بإصابتها بذلك المرض، لقد كانت نِعم الزوجة! وخشِيَت أن تُحرج من مرضها فتظاهرت بالعمى طوال السنوات الماضية، وعاملتها بحبى لها نفسه قبل مرضها.
وهنا تتوقف القصة لكنها لا تزال فى حياة كل إنسان، فماذا لو ....؟!! 
 
إن هذه القصة الرمزية تقدم لنا توضيحًا كبيرًا عن دَور المحبة الحقيقية فى قدرة الإنسان على السير فى دُروب الحياة مع أنواع كثيرة من البشر قد نختلف معها فى عديد من الأمور؛ ولكن علينا أن نُدرك أنه لا إنسان خلا من العُيوب فلا يوجد إنسان كامل، وعلينا أن نتعلم كيف يقبل بعضنا بعضًا بالمحبة فى رحلة الحياة.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسيّ.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة